يلحظ المتابع أنّ صورة المملكة شابتها شوائب، زادت في الفترة الماضية القريبة من دول غربية وشرقية، بكثير باطل وقليل حق، طالت نواحي شتى بما فيها المجالات السياسية، والاجتماعية، والثقافية.
لذا أرى أنه من حقنا أن نمارس دورنا المشروع، في محاولة منا لإبراز الوجه الحقيقي لدولتنا، التي مُورست تجاهها أصناف شتى من التشويه وقلب الحقائق. والمبدأ الذي يجب أن يُسيّر مشروعاً بمثل هذا الحجم، يتطلّب أن نضع نصب أعيننا إبراز حقيقتنا وواقعنا من غير تزييف له، ومبالغة فيه، ومحاولة تجلية، أو تقديم صورة تجافي الواقع. والقاعدة العامة، أو العنوان الكبير الذي يحسُن أن نعمل بمقتضاه ونرفعه عالياً عند خوضنا لأي نقاش يدور رحاه عن حال المملكة، ومواطنيها وأوضاعها، ومؤسساتها، أن يكون منطلق حديثنا القاعدة العامة التي تنطبق على بلاد الشرق والغرب ومجتمعاتها القائلة: لا يوجد بلد على وجه البصيرة كامل من غير نواقص ومشكلات، كما أنه لا يوجد مجتمع ملائكي منزه عن الخطأ. ومن هنا فالمملكة وشعبها ليس بمعزل عن ناموس هذه القاعدة العالمية العامة.
هناك العديد من الخطوات العملية التي نحتاج أن نقوم بها، من أجل تقديم صورة أفضل عن واقع وحقيقة صورة المملكة على النطاق المحلي والعالمي. نحن أولاً بحاجة إلى الاعتراف بوجود أخطاء وسلبيات نمارسها كأفراد، ومجتمع، ودولة والتي يجب أن نعمل بكل ما أُوتينا من قوة تلافيها، ومعالجتها جذرياً من أجل إحداث تغيير نوعي في الصورة النمطية التي غُزت أذهان الكثيرين عنا في أنحاء متفرقة من العالم. والخطوة التالية تتطلّب توظيف العنصر البشري ذي المستوى التعليمي العالي، والمدرب تدريباً عالياً على كيفية تقديم صور حقيقة واقعية عن المملكة. وحتى يتحقق النجاح بدرجة عالية لهذه الخطوة المهمة، نحن بحاجة إلى الاعتماد على شباب الوطن دون سواهم الذين يجب تزويدهم بجرعات تدريبية متقدمة في إدارة فن الحوار، وكيفية استعراض ومناقشة عدد من القضايا والمسائل التي تمس الشأن السعودي بطريقة علمية حيادية تناسب طريقة عرض وتفكير الملتقى في الخارج، وتزويدهم بإستراتيجيات ومهارات القدرة على إحداث تغيير إيجابي في مناهج التفكير والسلوك والتعامل مع الآخر. كما أننا يمكن أن نحتوي أولئك الذي يقتنصون الفرصة تلو الأخرى من أجل تشويه سمعتنا وواقعنا؛ وذلك من خلال دعوتهم لزيارة المملكة من أجل الوقوف بأنفسهم على حقيقة الأمور هنا، كما أنه بإمكاننا تأسيس منبر حواري مفتوح مع هؤلاء من أجل مناقشة مواضيع وقضايا شتى، وبخاصة تلك التي دأبوا على تضليل الرأي العالمي حيالها، سواء تلك التي تتعلّق بالجوانب السياسية، والاجتماعية، أو حتى الثقافية. وقيامنا بهذه الخطوة يحقق لنا أهدافاً إيجابية كبرى تتمثل في فتحنا لأبوابنا على مصراعيها للعالم، وإتاحتنا الفرصة للمشكّكين وأصحاب الأفكار غير الصحيحة، وكذلك عامة الناس الوقوف بأنفسهم على حقيقة الأمر في بلدنا، وأن يروا بأم أعينهم كيف هي إدارتنا لشؤون حياتنا. كما أنّ هذا السبيل يقطع الطريق ويقف حجر عثرة أمام المعلومات المغلوطة التي يُراد لها أن تحتل مساحة أكبر من التغطية العالمية من أجل رسم صورة سلبية عن المملكة وشعبها.
ولا يتوقف الأمر على القيام بعدد من الخطوات على النطاق المحلي، وإنما يمكن أن نوسّع من دائرة نشاطنا الميداني ليشمل أجزاء متفرقة من العالم الخارجي، وذلك من خلال إقامة مراكز معلومات في عواصم الدول الرئيسة في العالم، يقوم على إدارتها شباب سعودي مدرب تدريباً عالياً، ويتم تزويدها بمعلومات حديثة حقيقية تُستقى مباشرة من جهات الاختصاص. ويمكن أيضاً القيام بعمل محاضرات، وندوات دورية لإبراز المستجدات على الساحة السعودية، واستعراض المنجزات التي تحققت أخيراً. ويمكننا أيضاً إقامة معارض متنقّلة بالتزامن مع مناسبات عامة تمر بها هذه الدولة، أو تلك من أجل ضمان حضور وتفاعل عدد كبير من مواطني تلك الدول. وكذلك الحرص على وجود وحضور مستمر لشخصيات سعودية مسؤولة في مختلف وسائل الإعلام العالمية، وبخاصة المرئية منها، وتقديم تغطية دولية لأنشطة المملكة وإنجازاتها الحضارية ذات البعد العالمي.
لا يخالج المرء شك بأنّ الدولة تقوم بنشاط محموم على المستوى الرسمي، من أجل تقديم الوجه الحقيقي للمملكة من خلال القنوات الدبلوماسية الرسمية، ولكننا في الوقت نفسه بحاجة إلى فتح قنوات تواصل وإحداث برامج تثقيفية على النطاق الشعبي مع عامة الناس في مختلف الدول، نقوم من خلالها بتعريفهم بعاداتنا، وتقاليدنا، وثقافتنا، ونشرح لهم خلفية مواقف المملكة والتزاماتها العربية والإسلامية، ونبرز من خلالها النقلة الحضارية التي تمر بها المملكة. ونحن كذلك بحاجة إلى مد جسور من التواصل مع منظمات المجتمع المدني، والوكالات والقنوات الإعلامية المحلية لمختلف دول العالم لعمل مقابلات ومؤتمرات صحفية دورية، ويمكننا التوسع في التواصل على المستوى الشعبي من خلال إقامة برامج ثقافية وتعليمية تبادلية.
وإضافة إلى مناشط الاتصال المباشر هذه، يمكننا القيام بحملة عالمية نحاول فيها استثمار وتوظيف كل وسيلة متاحة، لإبراز إنسانية الدولة التي تولي عناية فائقة للارتقاء درجات عُليا بمستوى المعيشة لمواطنيها، كما أنها في الوقت نفسه دولة تسعى دوماً لتسخِّر إمكانيتها وقدرتها من أجل إحلال الأمن والسلام في أصقاع المعمورة، وتحقيق الاستقرار العالمي.
وقد يتساءل المرء عن سر الحماسة لتقديم صورة تختلف عن تلك التي يرانا فيها جزء من العالم، وربما يُحاج بأنّ العالم حر في نظرته واعتقاده الذي يتحمّل هو لوحده وزره ولسنا نحن. وهذا القول يُجانبه الصواب، لأنّ السماح للصورة السلبية أن توجد في ذهن العالم عنا وتذكيتها بمعلومات وحقائق مشوّهة، مما يجعلها أكثر قتامة وسوداوية، يقود إلى انعكاس سلبي كبير على المملكة على جميع المستويات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والتعليمية، بل وحتى على المستوى الفردي، ويمنح للمغرض التحرك في مساحة أكبر لتسويق معلومات مغلوطة، ربما تجد آذاناً صاغية فتغيب أو تضعف حينها الحقيقة، وتصبح مهمة تصحيح الجوانب السلبية التي تكوّنت نتيجة لما تم تمريره من معلومات تجافي الواقع أمراً في غاية الصعوبة. لذا نحن بحاجة إلى التحرك بخطوات أكثر سرعة من أجل تصحيح الصورة السلبية، التي يحاول البعض في أجزاء متفرقة من العالم الترويج لها، وذلك لن يتأتى لنا إلاّ من خلال استخدام وسائل أكثر تأثيراً لإدارة الاتصال من أجل تحقيق الصورة الذهنية المرغوبة عن المملكة لدى الآخرين والتي استعرضنا آنفاً بعضاً منها. هذا التحرك يجب أن يكون سريعاً ومدروساً بعناية فائقة، وتتفاعل وتتضافر فيه أطراف عدة؛ لأنّ البطء والإخفاق يقودان إلى تراكم الصورة النمطية السلبية المترسّخة في أذهان البعض عنا، ويقضيان على تحقيق هدفنا المشروع في إبراز وجهنا الحقيقي لا الخيالي أمام المجتمع الدولي ودحض الأكاذيب بالحقائق.