المتابع للواقع المحلي يلحظ حملة إعلانية مكثفة من قبل معاهد تعليم اللغة الإنجليزية المحلية رغبة منها في استقطاب الراغبين في تعلُّم اللغة الإنجليزية محلياً. وهذا التوجه -بحكم أننا نمثل سلسلة في حلقة عالم اليوم المترامي الأطراف
-ليس بمستغرب إذا ما علمنا أنه يوجد حوالي بليون طالب يقومون بتعلم اللغة الإنجليزية في جميع أنحاء العالم، وأنًّ شخصاً من بين كل أربعة أشخاص في العالم يستطيع التواصل باللغة الإنجليزية. يوجد في المملكة حالياً حسب إحصائيات إدارة التعليم الأهلي في وزارة التربية والتعليم ما يفوق ثلاثمائة وخمسين معهد تعليم لغة إنجليزية منتشرة في أنحاء متفرقة في مدن وقرى المملكة. وهذه المعاهد تقدم برامج تعليم اللغة الإنجليزية للأطفال والكبار بمختلف الأنواع من الدورات العامة، والمتخصصة لجميع المستويات اللغوية. بعض هذه المعاهد مملوكة لشركات محلية، والبعض الآخر تابعة، أو امتداد لمعاهد دولية. وليس هناك إحصائية دقيقة لعدد الملتحقين بها، وإن كانت بعض التقديرات تشير إلى وجود حوالي خمسين ألف دارس في معاهد تعليم اللغة الإنجليزية في المملكة.
الحديث عن معاهد تعليم اللغة الإنجليزية في المملكة تتجاذبه مناح شتى تطال البيئة التعليمية، والمناهج المعدة للدارسين، ونوعية ومستوى المعلمين الذين يتولون عملية تعليم الدارسين اللغة الإنجليزية في هذه المعاهد، وطرق التدريس والتقويم، وكذلك خطوات وإجراءات ضمان جودة مخرجاتها التعليمية والتي جميعها ستكون محط النقاش في هذه الإطلالة المقتضبة.
مما يلاحظ على معظم البيئات التعليمية لمعاهد تعليم اللغة الإنجليزية أن مبانيها لم تؤسس على أنها مراكز تعليمية، وإنما هي في الأساس مبان سكنية تم إجراء بعض التعديلات والتحسينات عليها، ولذا نجد أن توزيع القاعات الدراسية فيها، وتصميمها لا يتناسب والمقار التعلمية ذات الموصفات المحدد بما في ذلك السعة المقبولة للفصول وخلوها للملمح الجمالي الذي يعزز من رغبة الدارس في الإقبال على تعلُّم اللغة الإنجليزية، والتكييف والإنارة بمستويات مناسبة، والكراسي المريحة، والوسائل التعليمية المعززة للعملية التعليمية. إضافة إلى أنًّ الكثير من تلك المقار لا يوجد فيها أماكن ترفيهية يجتمع فيها الطلاب في أوقات الراحة والفراغ بين الدروس إما لتناول المشروبات والمأكولات الخفيفة، أو لممارسة الأنشطة اللاصفية. ومثلها في ذلك عدم توفر مكان مخصص للصلاة، وإنما يصلي الدارسون في فناء مقر تلك المراكز الخارجي. وإلى جانب ذلك تخلو مقار تلك المعاهد من مكتبة صغيرة تحتوي كتباً، وقصصاً، ومجلات، وبرامج تعليمية حاسوبية، ووسائط متعدد بما في ذلك الأقراص المدمجة، والبرمجيات اللغوية، ومصادر إثرائية وتقنية يمكن أن يطلع عليها الدارس، وتكون رافداً يثري تجربة تعلمه للغة الإنجليزية.
كما أن أجهزة الحاسوب سواء تلك التي في القاعات الدراسية، وحتى الموجودة في معامل اللغة الحاسوبية أجهزة قديمة. ومعامل اللغة الحاسوبية لم تصمم بحيث تتوافق مع مواصفات قاعات معامل اللغة الحاسوبية، وينقصها السعة الكافية التي تمنح الأستاذ والمتعلم حرية الحركة، وإمكانية القيام بأنشطة مصاحبة. ومن اللافت للانتباه أيضاً أنًّ القاعات الدراسية بدلاً من أن يتم تزويد جدران قاعاتها بلوحات جدارية تعليمية يتم وضع لوحات دعائية عن المركز كان يمكن وضعها في أماكن متفرقة في المركز وليس داخل القاعات الدراسية. وكذلك تفتقر مقر المعاهد إلى مواقف مخصصة لسيارات الدارسين.
أما المعلمون فيمكن رصد بعض الملامح العامة التي تشترك فيها معظم معاهد اللغة الإنجليزية فيما يخص معلميها. معظم معاهد تعليم اللغة الإنجليزية لا تقدم دورات تدريبية منتظمة من أجل الرفع من إمكانيات مدرسيها، وبخاصة إذا ما علمنا أن نسبة كبيرة من هولاء المعلمين هم من خريجي الـ80 و 90 الميلادية، وليس لديها سياسات واضحة تقوم بها من أجل تقييم أداء معلميها أكثر من قيام مسؤولي المعاهد بزيارات دورية للمعلمين في صفوفهم. ونجد أيضاً أنها لا تتبنى معايير محددة وواضحة تستند إليها عند اختيار مدرسيها. والممارسة الأخطر تتمثل في أنًّ بعض المعاهد تقوم بتوظيف معلمين ليسوا من المتخصصين في تعليم وتدريس اللغة الإنجليزية، وإنما اكتسبوها بالخبرة والقدرة على الحديث بها، أو بحكم أنهم من متحدثيها بصفتها لغة أم وحسب. كما تنحى بعض المعاهد أيضاً لاختيار طاقم تدريسي من جنسية واحدة في إغفال تام لأهمية تنوع الخبرات والمدراس التي تثري تجربة متعلم اللغة الإنجليزية.
ويمكن أيضاً رصد بعض الملحوظات على جوانب المنهج التعليمي. تحديد مستوى الدارس اللغوي يتم من خلال اختبار تحديد المستوى الذي يُعقد للمتقدم في مركز اختبار تحديد المستوى والذي أُعد خصيصاً من قبل دور النشر العالمية، وبذلك يمكن القول إن الاختبار قام على إعداده متخصصون مما يجعله ذا مصداقية وشرعية، ولكنه في الوقت نفسه ربما أنه بني على اعتبارات لغوية معينة قد لا تأخذ في الحسبان طبيعة وإمكانيات، وقدرات الطالب السعودي، وما درسه في مراحل التعليم العام، وربما الجامعي. وهناك معاهد تقوم بإعداد اختبار تحديد مستوى بناء على المنهج الذي تقوم بتدريسه وبهذا لا يمكن اعتباره اختبار تحديد مستوى يقيس مستوى المتعلم وقدرته اللغوية، وإنما أُخذ في بنائه مدى معرفة الدارس وإلمامه بمنهج معين ذي أهداف محددة مما يجعله ليس مقياساً عاما لتحديد مستوى الدارس اللغوي بشكل عام. وعلى الجانب الآخر نجد أن الساعات المكتسبة المتمثلة في ساعة، أو ساعتين يومياً ليست كافية لبيئة يتعرض فيها الدارس للغة الإنجليزية فقط داخل أروقة تلك المعاهد، ومن هنا كان حريا بتلك المعاهد إعادة النظر في عدد الساعات، وإيجاد برنامج يتوافق في عدد ساعاته مع رغبات، وظروف الدراسين، وإمكانية تلك المعاهد.
وبالرغم من هذه الرصد لبعض مثالب المنهج التعليمي اللغوي فإنه لا يمكن إغفال تميز بعض المعاهد في تبنيها لمناهج تعلمية متميزة قامت على تصميمها شركات عالمية متخصصة في تدريس اللغة الإنجليزية، ولكن تخفق الكثير من المعاهد في القدرة على تطبيق تلك المناهج العالمية على أرض الواقع وذلك يعود فيما يبدو لعدم قدرة المعلمين على استخدامهم بشكل فاعل ومؤثر لبعض الطرائق الحديثة لتعليم اللغة الإنجليزية داخل الصفوف الدراسية التي تنادي بها تلك المناهج العالمية لتعليم اللغة الإنجليزية.
تقوم بعض المعاهد بعدد من الخطوات الإجرائية من أجل ضمان جودة مخرجاتها التعليمية التي تتسم بالتقليدية. ليس من تلك الإجراءت العمل على تأسيس إدارة جودة مستقلة، وتبني معايير عالمية، والقيام باستقطاب كوادر مؤهلة، والسعي لتوفير الوسائل المساعدة اللازمة لخدمة أغراض التعلم، وتوفير معامل لغوية على مستوى عال. وكذلك القيام بالتقويم المستمر البناء، والحصول على اعتماد برامج اللغة الإنجليزية (CEA)، أو من خلال الحصول على عضوية اتحاد البرامج المكثفة لتعليم اللغة الإنجليزية بالكليات والجامعات (UCIEP)، وتبني المعايير القياسية الأساسية الموضوعة من قبل هيئة مدرسي اللغة الإنجليزية للنطاقين باللغات الأخرى (TESOL).
هذا فضلاً عن تفاوتها في عدد مستوياتها، وارتفاع رسومها الدراسية التي تتراوح بين الألفين إلى ثلاثة آلاف ريال للمستوى الدراسي الواحد. وهذه الأمور مجتمعة كان لها انعكاس سلبي على مخرجات الملتحقين بمعاهد تعليم اللغة الإنجليزية فيما يتعلق تحديداً بالتحصيل اللغوي لخريجي تلك المعاهد مما جعل المؤسسات العامة، وشركات التوظيف تنظر لهم أنهم حاملون لشهادة من دون تحصيل لغوي كاف، وبقصور واضح في إتقان اللغة الإنجليزية بجميع مهاراتها، وأن هدف تلك المعاهد بات منصباً أكثر على تحقيق مكاسب مادية على حساب تقديم تعليم لغوي نوعي للمتحقين بها. ومن هنا بات من الضروري العمل على إيجاد معايير خاصة بكل منحى من المجالات التي تم ذكرها آنفاً لكي تكون أداة تُحاكم عمل تلك المعاهد، والقيام بتقييم خارجي لمستويات تلك المعاهد. وكذلك إيجاد آلية للتأكد من من مخرجات المعاهد، وبخاصة تلك التي تمنح دبلومات باعتبارها مسوغا أكبر لتوظيف الباحثين عن فرص عمل، وكذلك اشتراط رخص مهنية لمن يتصدى لتدريس اللغة الإنجليزية في هذه المعاهد، وكذلك الحصول على شهادات عالمية لمزاولة مهنة تدريسها، والاستعانة ببيوت إشرافية لدعم وتدريب معلميها.