فوجئ المتتبعون للشأن السياسي المحلي بتعليق خطير للقيادي بحركة النهضة لطفي زيتون، الذي غالباً ما يثير الانتباه بطلاته الإعلامية المستفزة لخصومه، حول ما وصفه «بالتخبط الحكومي في العشوائية واللعب في الوقت الضائع، وذلك في إطار ما تشهده جهات عدة من احتجاجات بسبب اختيار الحكومة جهات أخرى لبعث كليات طب داخلها».
وقال زيتون معقباً على قرار الحكومة إنه «بالرغم من أن البلاد تعيش فترة حساسة تتزايد فيها الاحتجاجات وحركات الغضب الاجتماعي، تعلن الحكومة إطلاق مشاريع مثيرة للجدل باعتبار أن إنجاز كلية طب يعتبر مطلباً لكل المحافظات». مضيفاً في جرأة غريبة بأن بعض الحكومات قد تضطر إلى بعض الشعبوية السياسية والإعلانات المدوية عن مشاريع صعبة التحقيق، بهدف امتصاص الغضب.
والحقيقة أن ما قاله زيتون، وإن فاجأ البعض، إلا أن العالمين بخفايا المناورات النهضوية اعتبروه أمراً عادياً يدخل في خانة الرقصات النهضوية، الغاية منها إلهاء الرأي العام من جهة، والزج بالطفل المدلل للغنوشي في أتون حرب إعلامية، هو وحده القادر على فك طلاسمها، والخروج منها فائزاً كعادته كل مرة.
إلا أن الواقع الذي تعلمه كل الطبقة السياسية، بما فيها النهضة الحاكمة، أن الحركة كباقي الأحزاب تعيش وضعاً داخلياً صعباً، ازدادت فيه المشاحنات، وعلت فيه الأصوات المعارضة للقيادة وحتى للكتلة النيابية في المجلس التأسيسي بعد قرارها إلغاء التعديلات التي أدخلتها على النظام الداخلي للمجلس.
الملاحظون يرون أن متاعب النهضة بدأت مع أول لقاء جمع الشيخ راشد الغنوشي بغريمه الباجي قائد السبسي؛ إذ خرجت تفاصيل المقابلة إلى العلن بالرغم من تكتم الطرفين؛ ما اعتبره شباب الحركة خيانة لمسار العداوة مع «أزلام النظام السابق» وانقلاباً على أسس التعامل داخل الحركة المبنية على التشاور والحوار قبل القرار.
وفي المقابل يشدد قياديو الحركة على أن المناوشات واختلاف وجهات النظر التي تطفو على سطح الأحداث ليست سوى دليلاً على السقف العالي للديمقراطية في النهضة، فيما يلمح البعض إلى أن كل تلك التصريحات المثيرة للجدل إنما هي مدروسة وممنهجة بشكل تعود فيه بالفائدة على الحركة.وفي هذه الأوضاع المتأزمة جداً، وفي ظل حراك الشارع، وعلى خلفية الاحتجاجات الشعبية التي تهز مناطق داخلية تطالب بنصيبها في البرامج التنموية، انعقدت السبت والأحد الدورة العادية الـ19 لمجلس شورى حركة النهضة، واستعرض الوضع السائد بالبلاد كعنوان رئيسي لمحوره العام، إلا أن المشاركين صبوا اهتمامهم على محاولة رأب الصدع بين الشق المتطرف في الحركة والشق المعتدل، باعتبار الخلافات التي دبت بينهما في الفترة الأخيرة، ناهيك عن أنها أدت إلى جملة من الاستقالات من الحركة، تتكتم هذه الأخيرة على إعلانها؛ حتى لا تهتز صورتها أمام حلفائها وأعدائها على حد سواء.
فقد جدَّدت حركة النهضة تمسكها بخيار الحوار آلية وحيدة لحسم الخلافات السياسية تحقيقاً للتوافقات، من أجل تأمين المسار الانتقالي واستكمال المهام التأسيسية، وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في أقرب الآجال. ودعت كل الأطراف الوطنية لبذل مزيد من الجهود من أجل الوصول إلى التوافقات المطلوبة بالتعاون مع الرباعي الراعي للحوار لاستئنافه في أقرب وقت ممكن. ودعت إثر انعقاد الدورة العادية الـ19 لمجلس الشورى، أعلى سلطة داخلها يومي السبت والأحد، المجلس الوطني التأسيسي إلى تذليل العقبات والتسريع في إنجاز المهام التأسيسية، ولاسيما الدستور والهيئة العليا المستقلة للانتخابات والقانون الانتخابي، مهيبة بنواب الشعب الإسهام في إنجاح الحوار الوطني.
وكان اجتماع مجلس الشورى مناسبة للتعبير عن انشغال الحركة بتعطيل الحوار في تحقيق أهدافه، وينبه إلى خطورة ذلك على الأوضاع العامة للبلاد، ويدعو جميع الأطراف إلى البحث عن الصيغ الكفيلة بالخروج بالبلاد من هذه الأزمة.
ودعا المشاركون في الدورة الـ19 للشورى المجلس الوطني التأسيسي إلى إيلاء مشروع ميزانيّة الدولة وقانون الماليّة لسنة 2014 ما يستحق من الدراسة حفاظاً على التوازنات الماليّة والنقديّة للدولة، وحماية للمقدرة الشرائيّة للمواطنين، خاصّة الفئات الضعيفة منهم، ودعم جهود التنمية المتوازنة بين الجهات.
إلا أن الحركة لا تعيش في منأى عما يجري حواليها، وبخاصة داخل الأحزاب المعارضة لها، وفي مقدمتها حركة نداء تونس التي يسجل قياديوها مواقف متباينة لا تنسجم وروح الوحدة في الحركة، وتزيد من اتساع رقعة الخلاف فيما بينها من جهة وبينها وبين حلفائها من الجبهة الشعبية اليسارية التي تعيب على النداء مد يده إلى النهضة الحاكمة. وتعول الجبهة الشعبية المعارضة على التحركات الشعبية التي انطلقت أمس بالشمال الغربي للبلاد إحياء للذكرى الأليمة لاستعمال قوات الأمن أسلحة الرش ضد متظاهرين سلميين بمحافظة سليانة (150 كلم شمال العاصمة تونس)؛ ما أدى إلى تضرر عشرات المواطنين لتحريك الشارع من جديد، وتوجيه احتجاجاته ضد الحكومة قصد الضغط عليها لتفعيل استقالتها.