التشاؤم أحد ردود الفعل السلبية، لكنه وفي هذا الزمن الذي تصنعه الرشاشات والقنابل و حاملات الطائرات هو : استجابة طبيعية للوضع العام الذي يعيشه العالم العربي و دول أخرى كأفغانستان و الباكستان وحتى حدود القطب الأوحد (أميركا) حيث تقع (كوبا) التي تسري عليها المقاطعة الدولية منذ خمسين عاما، لأن هذا الوضع رديء و تعيس ومحزن و مؤلم.
ومن الطبيعي أنه في حال اللاتوازن بين القوى الإمبريالية و المهيمنة و دول العالم الثالث وبخاصة الدول العربية التي تمتلىء بالمنع و حجب الآراء المختلفة و الاستهانة بالإنسان، أن تكون متهيبة و خائفة ومترددة ، ولذا تجد خطابها متناقضا و ممارساتها السياسية غير (مسئولة) وغير مبرّرة و غالبا تكون بإملاءات الغرب و أميركا حيث توجد علاقات اقتصادية تستفيد منها قوى الغرب و تترك قليلا من الفتات لهذه الدول التي ارتهنت لقوى الغرب في ارتباط لا فكاك منه سوى بأن تغيّر سلوكها في التعامل مع العالم بحسب سلوكه هو إزاءها.
وما يجري في العديد من دول (وطني حبيبي / وطني الأكبر) ليس مبشرا وليس مبعثا للتفاؤل.
باستثناء ( جمهورية مصر العربية) التي يسير فيها الفريق أول عبد الفتاح السيسي نحو برّ الأمان بإصراره على التمسك بالمكسب الكبير الذي حققه هو و إدارته من العسكر و من السياسيين الحلفاء الشركاء في حلم المصريين الذي فجّروه 25 يناير و كان شعاره بسيطا و ليس مختلفا عن أخلاق الشعب المصري في التعبير عن استيائه و عن طموحه و عن واقعه الذي يعجّ بالضنك و عدم القدرة على استيفاء حقوقه المشروعة بسبب أكاذيب الأنظمة التي تبرر حال الفقر و الأمية بشكل (ميتافيزيقي !).
إن ما يهمني هنا أساسا هو دور المثقفين و الثقافة في التغيير.
تغيير هذا الواقع المؤلم المكتظ بالإحباط.
و فتح نوافذ للأمل و للحب ولإشراق المستقبل.
إنّ هذا ليس (مسكّنا) ! ولكنه يتجذر في أعماق الناس عندما يظلون يكابدون الهزيمة و اليأس و يهاجسهم وحيٌ ما بأن الإجابات الحقيقية تتعدى ما (يظنه البعض !) من كون المثقف يتمدد على المؤسسات و حتى الرسمية منها.
وإنه ليس مسلّحا كي تخافَ منه ! إن أسلحته نظريات لا تتماشى مع الإرث الثقافي للأمة.
وانظر كيف تمّت صياغة الكلمات باحتراف لأنه بدلَ أن تقول الإرث الثقافي للأمة عليك أن تستبدل كلمة الأمة بكلمة أدقّ منها وهي الإرث الثقافي للوطن ! وحين تحددّ (الوطن) فإن هذا يعني أنك تعرف أن الآخرين لهم أوطان.
و يعني أيضا استعدادك للتبادل معهم في كل مجال ممكن.
لأن الإنسان كائن اجتماعي.
وفرض أيّ قيود على أحلامه بمستقبل مورق، و عادل.
إنّ دور المثقفين و الثقافة يتعرضّ في الحقيقة إلى ضغوط شديدة بالنسبة إلى واقعه السياسي.
فمنذ أن بدأ التلويح الإميركي بـ(مساواة جبال إفغانستان بأرضها و هدمها في حرب... لا تبقي و لا تذَر) !.
انصرف العالم وفيه حتما المثقفون إلى انتظار كيف ستكون تبعات هذا الخطاب العنيف و البالغ العنف؟!.
وشكا المواطنون الإمريكان قبل الآخرين هذا الميل إلى النزعة الإمبراطورية على حساب المواطن الذي لا يمكنه التمشي في الشوارع لأنه سيرى كثيرا مما يتمنى لو كان ملكه ولكنه لا يخبىء في مكان نقوده.
فهي تنفد بمجرد تلقيها.
ولدى المثقف دور يتأثر بمجريات الأحداث و خاصة و هو يشعر أنها موجهة ضدّه هو ! كونها تستهدف جيرانه و كونها أيضا ( بلا ضمير) أي : أنه لا مانع من تقديمه كبش فداء.
أو على الأقل تهميشه و النيل منه بأية طريقة.
وهذا يؤكد أنني ( أتعاطف) مع كون المثقف إنسانا يهدف إلى الاستقلال و لكنه...
لا يحصل عليه !.
ومن جهة ٍ أخرى، فإن مطالبة مجتمع ٍ ما بأن يكون ممتثلا للقيم الزائفة التي جرى إحلالها مكان القيم الحقيقية نوعا من الضغط الشديد عليه ليسير حذوَ المجتمع الممتلىء بالأغلاط، هو (عدوان سافر) على الحرية التي منحها الله لخلقه لتكون حاضرة لحظة اتخاذه أيّ قرار.
إننا نلاحظ و يلاحظ كثيرون غيرنا خفوت صوت الثقافة كإنتاج و كإبداع وكعيش منذ حرب الخليج الثانية.
وهذا مؤشر على أن المثقف في لحظات تاريخية كهذه يصاب بحالة صدمة و فقدان الوجهة.
وأما قضية ماذا سيفعل بعد ؟!، فهي إحدى درجات ردّ الفعل.
وتتمظهر في الفوارق الكبيرة بين مصائر من وصل ردّ فعلهم إلى (الانتحار) على الأقل ثقافيا و فكريا.
وبهذا يكون الاستعمار في نسخته الغربية الراغبة بشغف بثروات وطنه و التي تميل إلى توظيف المثقف كمبرر أو كذريعة وهذا ما لا يمكن أن يقوم به المثقف الحقيقي.
ومنذ أكثر من مئة عام كانت تطرح أسئلة عن حقيقة دور المثقف و من بينها ما مفاده لمصلحة من يقوم بعمله الثقافي.