سأكرّس هذه الزاوية - هذه المرّة - لقضايا تتعلق بالثقافة مما يعني أنه سيكون ثمة دور محوري لوزارة (الثقافة والإعلام) فيها، بسبب الارتباط الجوهري بينها وبين من ندعوهم بالمثقفين أو المهتمين بالنشاط الثقافي الذي يُعتبَر من أهم النشاطات الإنسانية لكونه يضيء لنا أهم الزوايا المختبئة في الإنسان، وكون الثقافة في أيّ شكل تُمَارَس فيه ناطقة بأحلام الناس ومعبّرة عن آلامهم وطموحاتهم...
...ولأننا في عصر ممتلىء بوسائل النشر المغرية حتى للذين لا يملكون أهمية المثقف ولكنهم يعبّرون عن رغبة الإنسان الغريزية في أن يكون شيئا (مذكوراً) وهي رغبة لو اختلفنا معها فإنه من واجبنا الاعتراف بها كمكوّن رديف للثقافة ومتواشج معها وربما يكون دافعا من دوافعها.
إنّ أول ما يخطر في بال من يتصدى لمحاورة - الثقافة - هو: الأندية الأدبية المنتشرة في كل أنحاء الوطن والتساؤل الممتلىء بالخذلان عن معنى وأهمية ومدى قدرة تلك الأندية على بثّ رسالتها بالإمكانيات المتاحة. وللحقّ فإن إمكانيات الوزارة المادية ممتازة وغالبا تنصرف الوزارة إلى تبني أنشطة خارجة عن همّ الثقافة المحلية لكيْ تواكب ما شابهها من مؤسسات ثقافية في دول الوطن العربي الشبيهة بها من حيث ذلكم السؤال الذي طُرح ولا يزال وسيظل مطروحاً عن قيمة الدور الذي تؤديه المؤسسة الثقافية في المملكة وهي (مؤسسة) الأندية الأدبية التي صار قَدرُها أن تحتضن تساؤلات المثقفين التي لا تنتهي و تتقبل آراء حفنة منهم ليس لهم وزن حقيقي في معيار الثقافة وإنما اكتسبوا هذا الدور الزائف لكثرة ما يقومون به من تنظير وطرح إشكالات لما تزل من غير سند واقعي ولكنها تستمد مشروعيتها من كونها تميل إلى (الاعتراض) والوقوف مجانا بوجه كل مثقف يملك أفكارا مغايرة أو تملي عليه تركيبته الثقافية أشكالاً من (الخطاب) الثقافي الذي تكمن أهميته في أنه خطاب صالح للتلقي بغض النظر عن مدى ما سيؤدي مؤيدوه من خدمة للثقافة التي نعرف بلا شك أنها ضد الإقليمية وضد الانعزال إذا كان هو يتصور أن رأيه هو الرأي المثالي وأن سقوط أقنعة بعض القائمين بالعمل الثقافي هو دليل على سقوط نظريات ثقافية و شهادة ميلاد لنظريات ذات بُعْد ٍ واحد. وزارة الثقافة في مكانة عزيزة بالنسبة إليّ تربعت عليها لأنني أنتمي إنسانيا إليها. ولأنني - وهذا مهم - لم أشعر مرة بأن هذه الوزارة تسير في طريق تخوين أو خذلان لمشاريع بعضها أحسبه نوعا من الترف الذي لا ينطلي على مجتمع لم يأت للحياة مدججا بملاعق الذهب ولكنه جاء في ظروف كانت فيها الحياة شديدة الصعوبة ومنها تعلم أنه لكيْ تقوم بعمل ما وبشكل يرضي حتى المتشائمين فإن هذا وحده يشفع لك إن كنت مخطئاً ويمدّ أمامك المسافات لترى مالم تكن تظن أنك سترى!
وعلى سبيل المثال فإن كثيرين من محبي (التندّر) يسمون الأندية الأدبية (مركازا) لأولئك الذين تقدموا في العمر ولم يجدوا ما يقومون به من عمل سوى التردد على الأندية، وهم بذلك يظنون أنهم أحسنوا التعبير بينما في الواقع هم وصفوا الواقع بنزاهة ولكنهم أكملوا وصفهم بطريقة مجانية وبجحود بالغ. فالأدباء والكتاب الشيوخ من المحاربين الثقافيين في زمن لم نكن تعلمنا فيه الألفباء جديرون بأن تعتني بهم الدولة وتوفر لهم ولو مثل أماكن الأندية الأدبية ليمارسوا الحوار ويضيفوا لخبراتهم في مكان يشعرون بأنهم هم أصحابه ويشعرون فيه أيضا أنهم فئة غالية لدى مواطنيهم ودولتهم. ومثل هذه الدوافع النبيلة يتجاهلها بعض الذين دخلوا عالم الثقافة من باب الظهور ومن خلف النوافذ ليجدوا كل حين صورهم وأسماءهم في تغطيات ثقافية لا يمتّون إليها بصلة.
ونلاحظ - الآن - أن مجالس إدارات الأندية الأدبية لم تعد حكْراً على كتاب ومثقفين كان دورهم تنويرياً، وحينا كان خاملا ولكنهم مع التقدم الذي تعيشه ثقافتنا المحلية وتشريع انتخابات مجالس الإدارات وكثرة الشباب المبدعين من الجنسين فإن الوزارة تضع في اعتبارها فقط - مدى إسهام شخص ما في الحراك الثقافي المحلي والعربي - لكي ترمي بأمانة النادي إليه فيصبح من شروط (المثقف العامل أو الفاعل) توفّر قيمة صيانة الأمانة وعدم التخلي ببساطة عن الآراء التي وإن تكن ممتازة إلا أن هنالك نفرا من مثقفي مرحلة الرفاهية لا (يستمزجون) هذه الآراء. وإنني أملك الأدلة الكافية و غير الخاضعة للنقاش السفسطائي ما لو قلته هنا لقيل: إنني دخلت (مرحلة الارتزاق) في الكتابة ! وهي مرحلة - لو تعلمون - بشعة و شائهة وجبانة.
hjarallah@yahoo.com - alhomaidjarallah@gmail.comحائل