يقاس العلم والمعرفة اليوم، بأنّه من الميز الكبيرة التي قد تحقّق نقلة إستراتيجية لأيِّ من الأمم، وأمامنا التجربة اليابانية، بلد بلا موارد لكنه، ذا حضور اقتصادي عالمي، وكذلك كوريا الجنوبيَّة التي استثمرت في الإنسان الكوري، بل نموذج لشعب رغب في التطوّر والبناء، وكذلك ماليزيا التي استطاعت أن تتطوّر خلال سنوات، وأن تصبح بلدًا قويًّا من ناحية اقتصاديَّة، ترى ما الذي جعلهم ينجحون في تجاربهم، فيما لدينا وبحمد الله ثروات كبيرة لم نوظفها كمواطنين في خدمة مستقبلنا.
بالأمس كان ثمة مؤتمر يعقد في دبي يناقش التنافسية على الطاقة والبتروكيماويات، وهذه الصناعة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا باستخدامات التقنية الجديدة من حيث تطوّر التقنية المستخدمة وأثرها في تعزيز التنافسية، ودورها في تعزيز الإنتاج بسهولة وسرعة ودقة، ولهذا فإنَّ دولاً جديدة في هذه الصناعة يمكنها المنافسة إن هي امتلكت الموارد البشرية المؤهلة والمدرّبة، وامتلكت التقنية، وماذا عن اقتصادنا السعودي، ترى هل نحن على معرفة بأثر هذه التقنية في عالم التنافسية؟
كان ذلك حديث الأمير عبد العزيز بن سلمان مساعد وزير البترول والثروة المعدنية في المنتدى السنوي الثامن للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات (جيبكا)، وكان لكلامه رجع الصدى، كونه كلامًا في المعلومات والإستراتيجيات البعيدة فيما يتعلّق بالطاقة والبتروكيماويات، مؤكد أننا في عصر السرعة والتحولات الكبيرة والمعقدة، ومشيرًا إلى بروز الشرق كقوة اقتصاديَّة فاعلة ومؤثِّرة في السياسة الدوليَّة، وتضاعف حجم الطبقة الوسطى، وفي ظلِّ هذه المتغيِّرات هناك الكثير من الفرص، وهو ما ينطبق على قطاع البتروكيماويات في دول الخليج.
قال الأمير عبد العزيز بن سلمان: إنّه لضمان تنافسية صناعيَّة، لا بُدَّ من الإبداع والابتكار وبناء وتطوير الكوادر البشرية المحليَّة، وإعطاء الكفاءة، وتحويل إمكانات الشباب ومواهبهم إلى أصول تحقق فوائد اقتصاديَّة، هذا المنطق غير عادي بالنسبة لنا في المملكة ودول الخليج، لأنّه صادر عن مسؤول وشريك في القرار السياسي والاقتصادي، وهو على اطِّلاع ومعرفة وبيِّنة عمَّا عليه واقع بلادنا، فكم من مسؤول وضع نصب عينيه كيفية تحويل إمكانات وقدرات الشباب إلى قوة ومحرك اقتصادي.
هذا التبصر الإستراتيجي جاء نتيجة لمعرفة حقيقية بأسواق الطاقة، وفي التبدَّلات الاقتصاديَّة التي ساهمت في إحداث تغييرات في البيئة السياسيَّة الدوليَّة، وعلى الرغم من الوضع في الشرق الأوسط يميل إلى الفوضى والصراع، وفقدان الأمن والاستقرار، إلا أن الأمير عبد العزيز بن سلمان، كان أكثر دقة وموضوعية عندما ابتعد في حديثه عن مجالات التشاؤم التي درجت عليها بعض الجهات، ليؤكد أن هناك فرصًا كثيرة متاحة للشباب في ظلِّ هذه المتغيِّرات والتحوّلات.
وفي إشارة ذكية أوضح الأمير عبد العزيز بن سلمان بأن المهيمنين على الطاقة، حاولوا سابقًا وأصروا على تأكيداتهم بالقول بأن إنتاج البترول وصل ذروته، في إشارة إلى مخاوف من تحولات في الهرمية السياسيَّة والاقتصاديَّة الدوليَّة، إلا أنَّه أكَّد بأن رأي المملكة، أن هذه المرحلة لم يتم بلوغها بعد، وصناعة الطاقة تواجه تحديًّا في كيفية استخراج هذه الموارد وإيصالها للأسواق بكفاءة وموثوقية واستدامة، وهذا الرأي أثبت صحته مع الوقت، ففي السابق كان الحديث عن الشح والندرة في إمدادات الطاقة، واليوم يجري الحديث عن الوفرة.
الأمير عبد العزيز كشف في المنتدى كيف أن المملكة ظلَّت مصدرًا موثوقًا للطاقة محليًّا وعالميًّا، مشيرًا إلى أن ذلك يعود إلى توظيف التطوُّرات التقنية والابتكارات التي كان لها دور إيجابيّ في زيادة توفر الطاقة، ولذلك أكَّد الأمير أن أثر التقنية الإيجابيّ سيظلُّ حاضرًا ومحركًا لقطاع الطاقة، ولهذا فالمنافسة القادمة هي في إحدى أوجهها منافسة في امتلاك التقنية،
وهنا يضع الأمير عبد العزيز يده على الجرح، عندما أكَّد بأن التحضر والتصنيع والتطوّر مدفوعة بالطاقة، دفع إلى إخراج ملايين الناس من دائرة الفقر والعوز إلى مرتبة الطبقة الوسطى، وهي الطبقة الحية والمؤثِّرة في أيّ مجتمع، وهي الطبقة المُتعلِّمة التي تمتلك أصولاً معرفية، وسوف يسهم ذلك في إحداث توسع في الأسواق الناشئة في آسيا، والشرق الأوسط، وفي الخليج والسعوديَّة.
هذا التوسع سيرافقه تحوَّل في الأنماط الاستهلاكية، وبهذا سيكون هناك طلبٌ على المنتجات البتروكيماوية، ومن ثمَّ نمو في المبيعات المنزلية والسيَّارات وأجهزة الاتِّصالات والمعدات الطّبية والملابس، ولهذا يضع الأمير عبد العزيز النقاط على الحروف، بالقول بأن هذه التطوُّرات والتحوَّلات والتنافسية، والفرص المتاحة، سيكون لها أثرها على مستقبل الدول والمجتمعات في المنطقة، وهنا سيتيح فرصًا واسعة لتوظيف الكوادر الوطنيَّة السعوديَّة.