كنا نشكو من تكدس العمالة السائبة، ونرمي كافة مشكلاتنا عليها، باعتبارها مسيطرة على السوق، واليوم قامت وزارة الداخلية ووزارة العمل بالمطلوب، فالأجنبي المخالف اختفى فجأة، وبعض المحال التجارية، والمؤسسات، أغلقت أبوابها، ولا مجال بعد لتجارة التأشيرات التي نتمنى أن يصدر بحقها قرار حازم، وأن يكون الاستقدام واضح ومحدد وبلا بيروقراطية، فمن رغب أن يستعيد نشاطه التجاري ليس أمامه إلا أن يعمل بصورة نظامية.
هذه الحملة لم تكن مفاجأة، بل هي الحملة الثانية بعد فترة انتقالية سمح فيها للعمالة بتصحيح أوضاعها، وسبقها إلزام قانوني للمقيم بالعمل لدى الكفيل فقط، أو منحه تصريح بالموافقة المشروطة للعمل لدى جهة أخرى محددة، وأصبح النشاط التجاري والاقتصادي مرتبطاً بدورة واضحة من النطاقات والامتيازات.
لهذه الحملة مزايا عديدة، وإن كانت عاجلة، وشاملة، إلا أنها استطاعت فرض هيبة الدولة والقانون على مخالفي قانون الإقامة والعمل في بلدنا، وبعض هؤلاء المخالفين لا يمكنهم العمل علانية، ولهذا ينشطون ويعملون في السر في قضايا محرمة كالمخدرات، والمسكرات والتزوير، وصولاً لمرحلة السطو والجريمة، وإخراج العملات، وتعريض الأمن الاقتصادي والاجتماعي للخطر.
قد لا يكون جميع الأجانب بهذه الصورة السلبية، لكن المخالف للقانون، والمتستر عليه، عرضة للعقوبة، والمهلة التي منحت أكثر من كافية، ففي بلدان العالم هناك محاكمة وغرامات كبيرة على مخالفة الإقامة، أو الدخول غير الشرعي، حتى لو كان لأسبوع، فما بالك أن بعض المخالفين ممن لم يجددوا إقاماتهم، ومبلغ عنهم بالهروب، ويحمل إقامة مزورة، وبعضهم لا تعرف له وجود، ولو قام بجريمة قد لا تتعرف عليه، إلا إذا بلغ عنه أو قبض عليه.
نحن نشيد بهذه الإجراءات ولكن ضمن رؤية لضبط سوق العمل، ولسنا في حرب مع الوافدين أو تصفية حسابات معهم، ومعروف أن سوق العمالة يخضع في أحايين كثيرة للعرض والطلب، وأيضا للجودة والخبرة، ولحاجات السوق المحلية، ولهذا فإن التركيز على حاجات السوق من العمالة، يتطلب أيضا أن تكون لدينا إستراتيجية ليست الإحلال المبطن، بل الإحلال النوعي والحقيقي، الذي يكون ناتجاً عن حدوث تغيير حقيقي في ثقافة العمل لدى الشباب السعودي.
تغيير هذه الثقافة يعني الخبرة والجودة والجدية والالتزام، ولهذا أيضا يجب أن يطبق على المواطن نطاقات من نوع آخر، لا تبيح له حرية التنقل من شركة إلى أخرى، بحيث لا يحدث لديه عدم استقرار وظيفي، مع ضرورة معالجة الراتب الأساسي، وقضايا خدمية أخرى كقروض السكن، وقروض المشروعات الخاصة، والتأمين الصحي.
ماذا بعد؟.. نحتاج لتغيير الإدارة النمطية لكل أعمال التدريب، سواء المهني أو غيرها، وفوضى الشهادات الكارتونية الممنوحة لغايات الحصول على شهادة الخبرة، لذا يفترض التشديد على هذه الجهات بحيث تحاكم أي مؤسسة تمنح شهادة دون خبرة حقيقية، وأن يخضع المتقدم للعمل في الجهات الحكومية والخاصة لفترة تجربة، مع وضوح في العقد الذي سيحصل عليه حال اجتيازه لهذه المهمة.
هناك موضوع البيروقراطية والمحسوبية والترهل في الجهاز الإداري الحكومي، والشركات الوهمية، والمحسوبية، وهدر الأموال، وتفويض الصلاحيات، والتفتيش والرقابة، وهي مهمة داخلية تستهدف تصحيح ثاني أيضاً، وعندها نكون قد قطعنا شوطاً كبيراً في تنظيم مؤسسات الدولة وبخاصة الخدماتية، مع وضع لوائح جديد للامتيازات في هذه القطاعات، كونها تخدم المواطن.
نشكر القائمين على هذه الحملة والمهمة الوطنية، لكن كل ما نطلبه أن يكون تنفيذ القانون لا يسمح لنا بامتهان كرامة الناس، مهما كانت جنسيتهم، إلا أولئك الذين يقاومون الجهات المنوط بها تطبيق القانون، والنظام ولهذا نقترح بأن يكون هناك (لجنة وطنية للنظر في شكاوى العمالة النظامية) في بلادنا، تنظر في القضايا الحقوقية، ويكون لقرارتها صفة إلزامية للطرفين، حتى لا نصحو على مشكلات أخرى وتدليس وكذب آخر كما يدعي البعض اليوم بأنهم طردوا ورحلوا دون تصفية لحقوقهم العمالية؟.