يخص الكثير من البشر آخر يوم عمل في الأسبوع بمشاعر متفردة حيث اعتادوا على كسوة ساعات ذلك اليوم بالفرح وتلوين لحظاته بالأنس حيث الروح المنطلقة والابتسامة العذبة والوجوه المشرقة والنوم الهانئ والاستمتاع بالأكل والانفتاح على البشر، ففي يوم (الخميس) ثمة سحابة سرور لا تكف عن الهطول وغيث من السعادة يصيب النفوس المتعبة والأجساد المنهكة، ونسيم من المرح ينعش الأفئدة المكتربة، يومٌ كأن الدنيا أبرزت فيه زينتها؛ فجلنا يربط بين هذا اليوم وبين مشاعر الانشراح والانبساط، والأمر يتجاوز هذا إلى الإيجابية وإنجاز المهمات بطاقة عجيبة وقضاء الحوائج بنفس طيبة، ومن العجائب أن في هذا اليوم تتجلى القيم الكامنة وتبرز الأخلاق الجميلة، فمن المألوف أن نتسامح مع أخطاء الغير في يوم الخميس ونتعامل مع الجميع برحابة صدر، وسعة ذراع، وشهامة طبع وهو ما قد لا نفعله صباح الأحد!
ومن هؤلاء الذين يأنسون بيوم الخميس رجل سأدعوه (فهد) يحكي لنا قصته العجيبة فيقول: كنت أتولى مهمة إحضار أبنائي آخر الأسبوع من مدارسهم بروح مشرقة ونفس طيبة وابتسامة عريضة، وفي هذا اليوم كنت أمازحهم وأغدق عليهم بالعاطفة وأهديهم أرق المشاعر وأهبهم ألطف الكلمات ثم أصطحبهم لأحد المقاهي الشهيرة وأشتري لهم ما يشتهون ثم أتناول كوبا من القهوة المحمصة الفاخرة مع قطعة من الدونات الشهية وأحلق مع ارتشافها إلى سماوات عالية من الاسترخاء والسكينة، وليس هذا فحسب بل وأرى كل من حولي في هذا اليوم وقد لبسوا ثياب الفرح!
حتى وقعت لي حادثة غيرّت حياتي وقلبت تفكيري رأساً على عقب؛ عندما شعرت ذات يوم بصداع شديد في رأسي فذهبت للطبيب وبعد تشخيص أولي قال لي: إن هناك اشتباه في وجود ورم في الدماغ، وقد لاقيت من الخبر هولا هائلا، ونالتني عنه روعة شديدة فساءت نفسيتي وتكدر صفو حياتي وضاقت علي الوسيعة، وقد هفا فؤادي جزعا، وطار قلبي شعاعا، ورجعت عن الطبيب وأنا أتعثر في أذيال اليأس، فكنت كما قال الأديب الراقي أحمد الزيات: كالشّاردِ الهيمانِ، أنشدُ الرّاحةَ ولا أجدُ الظلَّ، وألبسُ النّاسَ ولا أجدُ الأُنسَ!
فلم أبت ليلتها فقد توسدت ذراع الهم وافترشت مهاد الغم؛ فكان ليلي مطرقا قد غشى همي صخبه فأضحى ساكنا واجماً!
وكان الطبيب قد أجرى لي أشعة مقطعية للتأكد، وكان يوم ظهور نتيجة الأشعة هو اليوم الأهم في حياتي ذهبت متثاقلاً للمستشفى صبيحة يوم الأحد لأخذ النتيجة ولا ثمة أمل يحدو، وعندما قابلت الطبيب كانت المفاجأة فقد كان التشخيص أنه مجرد التهاب يحتاج لأسبوع فقط فاستطرت فرحا وعانقت الطبيب وسجدت لله شكراً على قرب المدة بين المحنة والمنحة ثم خرجت من المستشفى جذلا مبتسما متهلل الوجه، طلق المحيا، مشرق الجبين.
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
وفي الطريق كانت العنادل تغرد على الجنبات والزهر يبتسم لي من كل مكان، والشمس تعانقني بأشعتها الحنونة الدافئة، وبتلقائية توجهت نحو محل القهوة المفضل الذي أرتاده كل (خميس) حيث ارتشفت كوب قهوة باستمتاع كبير، وكنت أرى المدينة وقد تحولت لكرنفال (سرور) مبهج ! ومع تلك المشاعر الجميلة أتاني هاتف يذكرني بأن اليوم (أحد) وليس (خميس)!
وهنا قدحت في ذهني (فكرة) وهي: لماذا لا أجعل كل أيامي يوم (خميس)؟
وتمثلت قول ذلك الحكيم: لست محتاجا لسبب (ما) لتكون سعيداً؛ فلديك من الأسباب ما يجعلك أسعد الناس!
سروري أن نبقى بخير ونعمة
وإني من الدنيا بذلك قانع
يقول الفيلسوف ثورتون وايلدر: لا يمكن القول إننا على قيد الحياة إلا في تلك اللحظات التي تعي فيها عقولنا ما نمتلكه من ثروات!
ويقول كافيت روبرت: إذا لم تعتقد أن كل يوم هو يوم جيد فحاول أن تغيب عن واحد من تلك الأيام في حياتك!
إن مجرد زيارة موقف (سلبي) أو حدوث تجربة غير جيدة لا يعني (رداءة) الحياة، وللأسف أن بعض البشر يحمل هموم من سيعيش ألف سنة!!
لا توحش النفس بخوف الظنون
واغنم من الحاضر أمن اليقين
فلتتلقّى أيام الربيع ومثلها أيام الصيف وفي روحك (بهجة) الطفل وفي قلبك (صبوة) العاشق وفي حسك (نشوة) الشاعر وعلى لسانك (أغرودة) البلبل، فما أروع أن يحمل الإنسان طقسه معه لا يهمه كان الجو صحواً أو مطراً! وتلك الروح ستجعل من العتمة نورا ومن البخار بخورا ومن الكدر صفوا ومن الألم أملا، ولتجعل كل يوم من أيام الأسبوع يوم خميس ولا تختزل أنسك وسعادتك وألقك في يوم واحد.
فقد أعطاك الله سبعة أيام فاستغلها واستمتع بها ولا تُغبن فيها وتكن كمن استثمر 1-7 من عمره!
ومضة قلم:
عند نهاية أي يوم كئيب عليك أن تدرك أن من يتسم بالكآبة هو أنت وليس اليوم، فإن أردت أن يتوشَّح يومك بالكآبة فالأمر بيديك.