رغم تجربتنا الحضارية والعمرانية إلا أننا فشلنا في بناء مدن تمتص ضربات المطر, وتشعبت مشكلات بلادنا مع الأمطار في نواح عدة، تعود أسبابها إلى طبيعية وبشرية، لكننا وخلال تلك الفترة الطويلة لم نعالجها بل (أمعنا) وتمادينا في الأخطاء البشرية من أبرزها أولا: تصريف مياه السيول، حيث تفتقد معظم مدن المملكة إلى شبكة تصريف السيول. ثانيا:التعدي على الأودية, تعدي المخططات والأحياء السكنية والمشروعات على مجاري الأودية.
ثالثا: التخطيط العشوائي, الاستمرار في بناء الأحياء العشوائية، غير المتوافقة مع اشتراطات الطبوغرافيا وجيولوجية الأرض.
رابعا: غياب المنسوب العام, في الطرق والشوارع، وفشل أمانات المدن في فرض المنسوب الذي يتيح لمياه المجاري السطحية الانتقال بسلاسة.
خامسا: التنفيذ الرديء للأنفاق والكباري الأرضية, حيث تحولت إلى مصائد وكمائن.
هذه المشكلات ليست وليدة اليوم فهي قديمة العهد وتعود إلى ما قبل الطفرة التنموية الاقتصادية الأولى 1395هـ-1975م، فأمانات المناطق والبلديات ووزارة النقل والهيئات العليا للمدن تعرف هذه المشكلات، لكنها لم تبادر إلى حلها بل أن بعض الجهات زادت وفاقمت من المشكلة بإنشاء المزيد من الأنفاق والكباري الأرضية، والسكوت عن تعديات التجار بإنشاء مخططات على مجاري الأودية، وغض الطرف عن الأحياء العشوائية وشبة العشوائية، وإقامة (العقوم والحبوس) والسواتر الترابية قرب الأحياء السكنية وأمام الشعاب حتى وصلنا إلى تهديدات حقيقية.
وها نحن نكاد ننهي الفترة الخصبة من الطفرة التنموية والاقتصادية الثانية التي بدأت 1423هـ-2003م دون أن نحل واحدة من معضلات التخطيط، بل إننا نعيش نفس المشكلة أو أشد من المشكلات السابقة التي كانت أقل حدية بسبب قلة التعديات, وانخفاض عدد السكان، وبطئ الحركة المرورية، هذه المشكلة ليست في المدن الرئيسة: الرياض ومكة المكرمة والدمام وجدة وإنما في جميع مناطق المملكة وكل سنة بزيادة حتى وصلنا إلى تعطيل الدراسة لحماية الطلاب والطالبات، وإذا لم تحل سينتقل التعطيل إلى الموظفين حتى يشل السكان والحركة الاقتصادية.
مشكلة بلادنا مع المطر واضحة فهي شاخصة وتعلن عن نفسها مشكلة مالية وتخطيطية، فالمالية توفير أموال لتغطية المدن الرئيسية بشبكة تصريف السيول وهذه تعمل مرة واحدة والدولة قادرة على تنفيذ المشروع.
والتخطيطية أن تكون هناك إجراءات صارمة عند تخطيط الأحياء واختيار مواقع المدن، وأيضا المحاسبة الشديدة للمشروعات الفاسدة، سواء في الطرق أو المنشآت، والضغط على المقاولين في التقيد في المواصفات، فبدلا من أن تكون الطرق الكبيرة مصرفا للمياه من خلال المنسوب وشبكة الصرف الأرضية تحت الأرض نجدها تحولت إلى أودية وشعاب تهدد الأحياء السكانية، وكذلك الأنفاق التي نجحت في حل مشكلة الزحام المروري تحولت إلى مصائد وبحيرات كأكبر خطر يواجه حركة السير.
مشكلاتنا ليست وليدة الصدف أو ناشئة جديدة، هي مشكلة جيومورفلوجية وطبوغرافية ترتبط بانحدار الأودية من الهضاب الغربية إلى الشرق في أوسع انتشار، وانحدار أعالي الجبال الغربية إلى مدن تهامة والسواحل الغربية من أودية شديدة الانحدار، يضاف إلى ذلك سوء التخطيط والعمران العشوائي وردم الأودية هذه مجتمعه شكلت خطرا على مستقبل المدن السعودية التي ليس أمامها من خيار سوى العودة إلى إعادة بناء مدنها من واقع خريطة الأودية ومجاري السيول.