سأتجاوز المعلومة الرسمية عن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي وما حققه وسيحققه في مقبل مراحله لأقف على قضية شائكلة بدأت تطل برأسها بعد عودة الدفعات الأولى من خريجيه البالغة حتى تاريخه 47000 خريج وخريجة
... والمتمثلة في تردد الجامعات السعودية في استقطاب خريجي برنامج الابتعاث، وطال ذلك أيضاً بعض القطاعات الحكومية، وعددا من مؤسسات القطاع الخاص الذين يبدون تحفظاً حيال المؤهلات التعليمية لخريجي البرنامج، أو بلد الابتعاث، أو المهارات والخبرات المكتسبة فلم يجدوا بالتالي قبولاً من قبلهم يمنحهم فرصة العمل في مؤسسات هذه القطاعات مجتمعة.
ولن أتوقف كذلك عند جدلية ما إذا كان ذلك نتيجة سوء تخطيط من عدمه لطرح ما يجب عمله لقطف ثمرة استثمار بشري كلف حتى اللحظة ما يفوق الستين ملياراً من الريالات وذلك من خلال التنسيق المباشر مع وكالة الوزارة لشؤون الابتعاث بوزارة التعليم العالي بصفتها المسؤولة عن هذا البرنامج ومسيرته، ومن خلال التنسيق مع الجامعات، ومع وزارت الخدمة المدنية والعمل والتخطيط، ومؤسسات القطاع الخاص، وكذلك عن طريق إرسال فرق استكشافية متخصصة لمواطن الابتعاث التي لامست الثلاثين وجهة تعليمية منتشرة في طول العالم وعرضه شرقه وغربه.
جامعتنا السبع الأم، وكذلك الناشئة منها على حد سواء بحاجة ماسة إلى مدها بمئات الكوادر المؤهلة تأهيلاً علمياً رصيناً حديثاً، هذا فضلاً عن خبرات ومهارات مكتسبة تُتيحها تجربة الابتعاث الثرية للمبتعث حتى يكون بمقدور جامعاتنا مواصلة الركب النوعي، ومساهمتها إحداث تغييرات اجتماعية حميدة، وبعث الحراك الثقافي، والدفع بعجلة التنمية الاقتصادية، والسياسية، والتقنية، والصحية، والتعليمية، وغيرها من الجوانب التنموية، وتخريج أفواج بتأهيل نوعي قادرة على المساهمة بفعالية في مسيرة البناء، والتطور المتسارع الذي تمر به بلادنا في المرحلة الراهنة.
ومن هنا فالفرصة مواتية لجامعتنا لاستقطاب من يواصلون مسيرتهم التعليمية في الخارج ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث من أجل ضمهم لطاقمها التدريسي الذي بحاجة لرفده بكفاءة علمية إضافية ذات تعليم نوعي متقدم تسهم بشكل فاعل بتأهيل وتطوير طلبة الجامعات المحلية، والنهوض بجامعاتنا، والارتقاء بمستواها.
هناك العديد من الخطوات التي ينبغي أن تسبق عملية الاستقطاب هذه والمتمثلة بالقيام أولاً بوضع خطة شاملة تضع على رأس أولويتها البحث عن النوع وليس الكيف، والانتقاء وفق مبدئي الشفافية والعدالة والابتعاد عن المحسوبية التي حتماً ستؤثر سلباً في عملية الضم والاستقطاب، والعمل وفق معايير انتقاء علمية محددة.
ومن ثم تشكيل لجان علمية متخصصة داخل الأقسام العلمية تقوم بحصر الاحتياج الفعلي ونوعيته، ومناحي الاستفادة التي يمكن أن تتحقق من خلال استقطاب كفاءات مؤهلة تأهيلاً علمياً في الجامعات الخارجية، ومن ثم تشكيل لجنة عُليا مكونة من ممثلين عن الأقسام العلمية يتم إيفادها لأماكن أولئك المتميز من المبتعثين ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للوقوف على مستوياتهم العلمية، ومقابلتهم، ومن ثم تقديم عروض للمتميز المناسب لاحتياج هذا القسم، أو ذاك.
ومما ينبغي القيام به كذلك في مرحلة سابقة لعملية الاستقطاب أن تقوم لجان عملية داخل الأقسام بوضع معايير علمية مقننة تكون هي الفيصل في أمر استقطاب المبتعث من عدمه تطال محاور عدة يأتي على رأسها الشقين العلمي والشخصي.
وبعد عملية الاستقطاب تأتي مرحلة المتابعة الدقيقة للمبتعث المتميز المستقطب للوقوف عن قرب على مستواه العلمي، ومتابعة مسيرته التعليمية، وحثه على بذل جهد مضاعف في سبيل التحصيل العلمي الجاد والاستزادة من العلم والمعرفة، وألاّ يقتصر جهده على الحدود المقبولة والمطلوبة، ومن أجل توجيه وإبراز قدراته، وصقل مهاراته، وحثه على خلق قنوات تواصل في المقام الأول بينه وبين علماء ومفكري وأساتذة تخصصه، وحثه على حضور الندوات والمؤتمرات ذات العلاقة في مجال دراسته، وكذلك مد جسور تواصل مع محاضن الابتعاث بمؤسساته العلمية العملاقة، وكذلك مراكزه الثقافية، وبيوته السياسية، ومؤسسات الرأي العام، والهيئات المدنية، وصنُّاع القرار، ومؤسسات الفكر، والدراسات، والمؤسسات الإعلامية، وذلك كله من أجل استثمار وجوده على رأس البعثة لاقتناص الفرص، ومحاولة تحقيق الاستفادة القصوى من أجل الاستزادة من تلك المعطيات والإمكانات التي تتيحها بيئات الابتعاث، وتكوين مهارات، وتعميق الفهم والوعي بالعمل السياسي، والثقافي، والاجتماعي، وتوسيع مداركه الثقافية، وتطوير مهاراته التحليلية والحوارية، ورفع الجرأة الشخصية لديه، ومن ثم ترك آثاراً علمية، واجتماعية، وسياسية، وفكرية في مجتمع بعثته، أو على الأقل في حرم جامعته التي ينتمي إليها المبتعث المستقطب حتى يكون بإمكانه لاحقاً أيضاً توظيف تلك القدرات، والخبرات المتنوعة المكتسبة، وسعة الأفق والثقافة عند عودته إلى أرض الوطن بشكل يخدم في المقام الأول جامعته التي سوف ينتمي إليها، و بشكل عام مد خطوات التطوير لمجتمعه.
وبعد العودة إلى أرض الوطن وحتى يمكن تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من التأهيل العلمي العالي المتميز، والمهارات والقدرات المكتسبة أثناء فترة الابتعاث يمكن إخضاع المستقطبين لبرامج معدة بشكل محكم يسهم في إنارة طريقهم الجديد، ومحاولة استيعاب واستثمار الخبرات العلمية والبحثية التي تحصل عليها هؤلاء المبتعثون العائدون للتو، ومحاولة استنفار طاقاتهم، وإظهار إبداعاتهم، وكل ما اكتسبوه من علوم ومعارف أثناء تواجدهم في بلدان دراستهم، وتجلية وإبراز الإمكانات المتاحة التي يمكن أن تقدمها لهم الجامعات لمواصلة مسيرتهم العلمية المتميزة، وإيضاح الأدوار التي ستمنح لهم للإسهام في تطوير جامعاتهم، وتعمل كذلك على تقديم شرح واف يتم من خلاله استعراض إمكانات وقدراته الطلبة التي حتماً تختلف عما شاهدوه وعاشوه أثناء فترة ابتعاثهم، ومكامن المجالات التي يمكن التحرك في ظلها من أجل تقديم تعليم نوعي مناسب لطلبتنا اكتسبوه أثناء فترة ابتعاثهم في مؤسسات التعليم العالمية.
تتراءى أمام جامعتنا المحلية الخمسة والعشرين حقبة تعليمية مفصلية لن تتكرر في المنظور القريب، ومن هنا يجب أن تشحذ الهمم لاقتناص ثمراتها والعمل على الاستفادة القصوى من مخرجاتها وذلك من خلال صياغة وإعداد خطط علمية مدروسة بعناية فائقة ذات منظومة متكاملة الأطر يتم تنفيذها وفق منهج سليم ينشد الكفاءة ولا غير من أجل استقطاب طاقات علمية تقوم بمواصلة ركضها العلمي في مؤسسات عالمية مرموقة، ومن ثم متابعة وتوجيه من يقع عليه الاختيار، وبعد ذلك يأتي إيجاد خطط واضحة لاستيعاب المستقطبين العائدين من الابتعاث في مجالات تخصصهم حتى يكون بإمكانهم النهوض بالعملية التعليمة في مؤسسات تعليمنا العالي، والركض قدماً بالبحث العلمي، والرقي بالمستوى الأدبي والثقافي للمجتمع، وتقديم حلول لمعضلات ومشكلات المجتمع في مختلف الجوانب، وكذلك حتى يكون بمقدورهم نقل السلوكيات المهنية، والمهارات والقدرات التي اكتسبوها من المجتمعات التي عايشوها أثناء فترة ابتعاثهم.
alseghayer@yahoo.com@alseghayer