المواقف التي يمر بها المرء في الحياة اليومية، كثيرا ما تكون مناجم للأفكار، ومنافذ للمقارنات، ووسيلة للمفارقات..،
هي تكشف عن مخبوء، وتقرب بعيدا، وتوضح غامضا، وتجلَي عن معتم، وتمنح أدلة،و تمحو ظنونا...
فإن تأملها المار بها، والمتفاعل معها، الجزء منها، والكل، تأمل حصيف نابه، وغاص في مكامنها، وأستخلص جزئياتها، لأمكنه فعل هذا من خلال التعامل مع معطياتها بما يفيد، سواء على المستوى الخاص، أو العام..
فمن مواقف حادة مرت بالمجتمع مؤخرا، ذلك الكثير من قضايا الفساد، واتضح في الأمر أن الفساد شأنه شأن أي موضوع لا يصبح قضية ملموسة قائمة لها زعانفها، وذيولها، ولها أنيابها، وأظلافها، إلا بالإنسان الذي يكون هو مصدرها ابتداء، ..
فالفساد لا ينتشر، ولا ينسرب لأوردة المجتمع، ويضخ دماءه فيفسد الجسد كله الذي هو المجتمع، إلا لأن هناك من يتستر، ويتسبب، ويمرر، ويسكت، وينفذ،ويتهاون، ويستغل، ويستفيد، بضمير غافل،وهمة فاترة، وعتمة وعي.. أو حتى حسن، أو سذاجة نية..!
الإنسان هو صانع، ومكون، وناشر الفساد..
من هنا استشرى فساده، ولم يقف عند حدود الأفراد الممارسين له، والمستفيدين منه، بل كان عضدهم أولئك في مواقع أعمالهم ممن يتجاوزون، ويتغاضون..،
ولأن الموقف الآن أدى إلى ما هو أبعد في نتائج المنافذ،والناقلين، والمتورطين في المكاسب غير النظامية ..
فإن ما يقضي على الفساد ليس محاربته فقط بببنود نظام،وتعليمات،ونشرات،ومخافة عقوبات فقط، بل ببتر، واجتثاث، وخنق موارده..، بل بإماتتها حيث تنشأ، وقبرها حيث تكون..كلٌ يعمل في نطاق حركته..عندما يُسن من أجل الانضباط التام قانون عقوبة صارمة، لأي من يمكنه أن يتجاوز وهو ينفذ إجراءات عمله..، يتعرفه كل الناس ليهابوه، ولا تُغمض عين المتابعة عنهم، فكل متابعة دقيقة، وصارمة تؤتي ثمارها..
وعلى سبيل المثل فإن ظاهرة «التفحيط» ما كانت تستشري لو أن المهابة التي كانت تسود لرجل الأمن بقيت ..، ولكنها تلاشت..
إن إعادة الهيبة للنظام بين الناس، ولقوانينه، تحتاج لتضافر الجميع بما فيهم الفرد ذاته فيمن يخصه،من مدخل باب البيت،إلى مداخل حدود الوطن..
وإن تطبيق النظام وحده ما يخلص المجتمع من الفسدة أولئك الصانعون للفساد..