تابعت حلقة إعلامية من برنامج “الثامنة” عن أحوال الأرامل اللاتي لم يرثن من أزواجهن إلا الراتب القليل وكثرة الأبناء، وكانت بالفعل حلقة مؤثرة لدرجة عالية، فقد ظهر للجميع أن بعض الأنظمة انتهت صلاحيتها منذ عقود، ولكن لا تزال سارية المفعول، برغم من وصول حالة بعض العائلات إلى وضع يُرثى له..
كنت أتمنى أن لا تظهر نتائج عمل الإداري المسؤول أمام المشاهدين بتلك الصورة المشينة، والتي فضحت انفصام بعض الأنظمة وبعض المسؤولين عن الواقع، وكشف عن المستور الذي لا يفرق بين ضروريات الناس ورفاهيتهم، إذ اتضح أن بعض العائلات السعوديات لا يجدون ما يسد رمق عيشهم، في حين ينتظر آخرون رحلة الصيف للسفر إلى الخارج للاستمتاع بالبذخ والإسراف الذي في غير محله في صور تعبر عن عمق الهوة بين الفقر والغنى في الوطن.
ذلك يعني أن بعض المسؤولين لا يدركون حجم تلك الهوة وحاجات أبناء الوطن، وربما لا يستحقون شرف خدمة هذا الوطن الكبير، بل وصل الحال أن يمتنع بعضهم عن إقرار نظام للتقاعد قد يقلل من أزمات العيش الضنك بين عائلات المتقاعدين على تلك الرواتب المتدنية، ولكن يبدو أن الأمر يحتاج إلى تدخل من جهات أعلى، وذلك نصرة للمحتاجين والفقراء من المواطنين، وسعياً لردم بعض جوانب تلك الفجوى التي تتسع يوماً بعد يوم، ويظل السؤال قائماً عن سبب غياب تلك المآسي الاجتماعية عن برامج بعض الوزارت الخدمية، ولماذا ننتظر إلى أن تظهر تعاستنا أمام الملأ كما ظهرت مساء ذلك اليوم.
ظهر للمشاهدين في أرجاء العالم كافة أن اليتيم السعودي أحق بالكفالة من اليتامى خارج الحدود، وظهر للجميع أن البرامج الخيرية العابرة للحدود يجب أن توجه خيراتها إلى الداخل قبل الخارج، نظراً للفقر الحاد التي يعاني منه بعض المواطنين، ونتمنى أن يتم اتخاذ قرارات مصيرية في هذا الشأن قبل أن نصل إلى مرحلة المجاعة في بعض الأحياء والقرى، وسيظل الدور الأكبر على عاتق الجهات التشريعية والتنفيذية، والتي من المفترض أن تسلط جهودها من أجل الوصول إلى كفاف العيش عنده هذه الفئات.
كذلك ضرورة دراسة رفع رواتب التقاعد للرواتب الدنيا، وزيادة حصص الضمان الاجتماعي، وتظل الخطوة الأهم في محاربة الفقر والجهل في رفع مستوى التحصيل التعليمي لأبناء هذه الفئات المحتاجة، فالتعليم يشكل البنية الأساسية للتغيير داخل مثل هذه العائلات، وإذا استطاع النظام التعليمي أن يؤهل أبناءهم لتحصيل التعليم العالي بنجاح ثم تأهيلهم للعمل في مهن متفوقة مثل الطب والهندسة والعلوم التقنية الحديثة، فإنه بذلك قد يكون أوجد لهم مخرجاً من مشقة الضياع الاجتماعي، لأن المثال الجيد في مثل هذه العائلات يؤثر إيجاباً على الأجيال القادمة في المجتمعات الصغيرة.
من الخيارات الممكنة أيضاً لإحداث التغيير الإيجابي في أحوالهم أن يُمنح أبناء وبنات عائلات الطبقات الأقل دخلاً فرصاً أكبر في الدخول إلى الجامعات، وذلك من أجل تشجيع التعليم العالي في أوساط هذه العائلات التي تعاني من كفاف العيش، وبالتالي تشجيع بقية الأبناء في الانخرط في التعليم المتقدم، كذلك أن يكون أبناءهم على رأس قوائم التوظيف في الدولة، وذلك لمنع انتشار البطالة والجهالة بين صفوفهم، وبالتالي تقليل فرص ضياعهم في عالم الفقر والتطرف والجريمة.
المهمة ليست في غاية الصعوبة، بل في متناول اليد في دولة حباها الله بالثروات الطائلة والنوايا الصالحة، وذلك لأن أزمتنا المزمنة تنحصر في عوائق البيروقراطية، وفي الأنظمة البالية التي فقدت فعالياتها منذ فترة غير قصيرة، لذلك نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تفعيل أساليب جديدة ومتطورة في فنون الإدارة قبل أن نصل إلى مراحل من الفقر أشد مرارة من تلك المشاهد المؤلمة التي تابعها المشاهدون على شاشة المحطة الفضائية العربية.