لا يختلف اثنان على ما قامت به الحكومة السورية، ممثلة ببشار الأسد وأعوانه، من قتل شعب سوريا وتشريدهم مستخدمةً أبشع وأخطر الأسلحة التي فتكت بأرواح الأبرياء بمختلف أعمارهم وأسمائهم. إن هذا النظام استحل دم شعبه من غير ضمير أو هوادة أو ذرة من رحمة، ضارباً بالقوانين الدولية عرض الحائط، نظام نشأ على سفك الدماء الحرة، دم الأطفال، دم الأمهات العفيفات، دون أن يكون له أي مبرر عرفي أو إسلامي، قتل الشيوخ الركع.. هدم اقتصاد البلاد، ودمر البنية التحتية لها، وقد تبرأت منه منذ أول رصاصة انطلقت من أسلحته.
إن من المعروف أن استخدام الأسلحة الكيميائية من أكبر الجرائم في حق الإنسانية، وقد جرم العالم بأسره استخدامها نظراً لخطورتها على أرواح الشعوب وما ينتج منها من هدر للدماء البريئة.. فقد اجتمعت كل الدول على تحريمها والحد من انتشارها واستخدامها منذ أواخر القرن الماضي؛ إذ شهدت مدينة لاهاي في العامين 1899 -1917 مؤتمراً، تقرر فيه منع استخدام الكيماوي، بما فيها القنابل الخانقة أو الجرثومية أو إطلاق الصواريخ المحملة برؤوس نووية. كما أنها اتخذت قراراً بتحريمها في اتفاقية جنيف 1925م ومؤتمر نزع الأسلحة 1932 - 1934.
وقد استقر استخدام الأسلحة الكيميائية عبر العصور الفائتة، لكن في القرن العشرين توسعت الدول في تطويرها وتوسيع مدى آثارها.
ولا يخفى على أحد أن الأسلحة الكيميائية لم تُستخدم في الحرب العالمية الثانية، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت هذا النوع من السلاح في حربها في فيتنام، حتى أنها ما زالت إلى الآن آثارها موجودة، حتى أن فساد محاصيل الزراعة وتدمير الغابات وحرق الأشجار لا يزال يعاني منها الشعب الفيتنامي. ولا ننسى ما سببته القنبلة الذرية في هيروشيما التي أدت إلى قتل وتشويه الكيان البشري حتى هذه اللحظة؛ إذ لا يزال المواليد يولدون مشوَّهين. وقد شهدت الحرب العالمية الأولى ما لا يقل عن 100 ألف شخص قُتلوا بهذا السلاح المدمر والمهلك للبشر وكل ما هو حي، وها هي الدول اتفقت على تحريمه منذ عشرات السنين واستخدامه في أي نوع من أنواع الحروب.
وقد تجاهلت كثير من الدول حرمته، وللأسف استُخدم ضد شعوبها، ومنها النظام السوري، وراح ضحية هذا السلاح آلاف من البشر من غير ذنب اقترفوه.
ومن هذا وذاك ندرك أن استخدام هذا السلاح في سوريا، سواء في الفوطتين أو مدن أخرى، يدل على تجرد هذا النظام من الأعراف الدولية.. والكل يعلم أن هذا النظام لم يستخدم هذا النوع من السلاح ضد عدو غزا بلاده أو هددها، بل استخدمه ضد الأبرياء ضارباً بكل بنود الأعراف والمواثيق الدولية عرض الحائط، وناسياً أو متناسياً أن قتل الشعوب إنما هو بحد ذاته خرق لكل القوانين الإنسانية والدينية. وقد أكد البيت الأبيض عن طريق cnn قبل فترة أن استخدام الكيماوي يتعارض مع المعايير المتفق عليها من قِبل غالبية دول العالم منذ الحرب العالمية الأولى. والنظام السوري تجاوز استخدام الكيماوي إلى ما هو أخطر منه أو مماثل له، ألا وهو استخدام القنابل الحارقة؛ فقد تحدثت هيئة الإذاعة البريطانية عن ذلك، وأعادت بث مقاطع فيديو موضح فيها ما حدث قبل شهر بقيام النظام السوري بإلقاء القنابل الحارقة على ملعب مدرسة تقع شمال سوريا، وكانت بشاعة المجزرة على هؤلاء الأطفال الأبرياء واضحة، حتى أن معظم إن لم يكن كل وسائل الإعلام حجبت نشر هذه البشاعة في القتل؛ لأن الحروق والتشويه والتمزيق لأجساد هؤلاء الطلاب لا يتحمل رؤيتها أي قلب لفداحة ما حصل من جراء استخدام هذا النوع من السلاح، وهذه ليست المرة الأولى في استخدام مثل هذه القنابل بل استُخدمت أكثر من خمس مرات على الأقل.
ومع اهتمام المجتمع الدولي بطريقة إتلاف هذا السلاح المدمر لكل شيء حي فقد غض النظر عن التحدث عن الأسلحة التقليدية كالصواريخ والطائرات وغيرها من أنواع الأسلحة المدمرة، ناهيك عن تحطيم الدبابات كل بناء يواجهها، وتراها تطلق شتى أنواع القذائف والصواريخ المختلفة في أنواعها والمتحدة في دمارها لهذا الشعب الذي يعاني منذ أكثر من سنتين ونصف السنة شتى أنواع القتل والتعذيب على يد هذا النظام الجائر.
أقول: وكما اتفق المجتمع الدولي على الشروع في تفكيك الترسانة الكيماوية لهذا النظام فيجب أن يكون هناك قرار حاسم وعاجل لإيقاف كل أنواع الأسلحة والطيران؛ لكي لا يستمر نزيف الدماء لهذا الشعب المغلوب على أمره. إن من قُتل بالأسلحة التقليدية يفوق المائة ألف شهيد وأكثر من 100 ألف مصاب وأكثر من مليونَي مشرد.. إن ما تقوم به الأمم المتحدة حتى الآن شيء يرثى له.. اختلاف في الرأي، وإعطاء مهلة تلو المهلة، متناسين أن أكثر من 100 قتيل يسقطون يومياً، ويتم تصفيتهم، فكيف لنا الانتظار لنرى متى يقف سيل دماء هذا الشعب؟..
أسأل الله رب العرش العظيم أن يخذل هذا النظام ومَن معه، ممن لا يهمهم قتل أطفال وشيوخ ونساء سوريا.