يعتبر التفكير من العمليات المعقدة، وله تشعّبات وأنماط متعددة، فهو نشاط عقلي منظم يُستخدم للنظر إلى الأمور لإيجاد حلّ لمعضلة، أو للإبداع في اتخاذ القرارات الفعّالة، أو لتحليل المعلومات والاستنتاج والتعليل بشكل سليم ومنظم بأفضل الطرق والأساليب، وبه يتم التخطيط والتطوير والابتكار، وغرس حب البحث والاستكشاف، والاستخدام الأمثل لطرح الأسئلة (كيف، ومتى، ولماذا) والإسهام في فتح الآفاق أمام المتعلم، والقدرة على توظيف المعلومات والحصول عليها من مصادر متنوعة، والاستفادة من نعمة العقل التي ميّز الله بها بني آدم على سائر المخلوقات.
فالعقل بلا تفكير كالجسد بلا روح، فنماء العقل وثمرته بالتفكير قال السباعي - رحمه الله - : (لا ينمو العقل إلا بثلاث: إدامة التفكير، ومطالعة كتب المفكرين، واليقظة لتجارب الحياة)، وبالتفكير ينتقل الفرد من التبعية والتقليد إلى الاستقلالية في التفكير، وقد قيل: (أنا أفكر، إذن أنا موجود) ولهذا يعتبر التفكير من أعظم نعم الله علينا التي لا تعد ولا تحصى، وكلما فكر الفرد عاش في سعادة حتى قال بعضهم: (إن التفكير فريضة إسلامية)، وقد امتدح سبحانه وتعالى الذين يفكرون ويستخدمون عقولهم للوصول إلى الحق قال تعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} وهم أصحاب العقول النيرة المفكرة، بل أمر الله - عز وجل - بضرورة الاهتمام بالتفكير بقوله تعالى في أكثر من آية: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}.
فالتفكير أغلى وأثمن ما يملكه الإنسان، فهو عبادة من العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وقال بعضهم: (التفكير عبادة لا تقبل النيابة).
فالتفكير وإن كان بالأصل موهبة ربانية من الله - عز وجل - إلا أن الإنسان يستطيع أن ينمي تلك الموهبة ويسهم في تطويرها وتنشيطها كي يستفيد من نعمة العقل بالتفكير السليم، فالتفكير عبارة عن مجموعة من المهارات من الممكن للفرد أن يكتسبها ويتقنها عن طريق التعلم والتدريب.
فمهارة التفكير بأنواعها لابد من غرسها وتعليمها لأبنائنا الطلاب منذ الصغر من خلال مراحل تعليمهم العام، إما بدمجها في جميع المواد الدراسية بأسلوب جذاب ومتقن، وبآلية علمية تمكن المعلم من تفعيل مهارات التفكير لدى الطالب للوصول للمعلومة والاستفادة منها - وهذا يتطلب إعداد المعلم لذلك - أو بتعليم مهارات التفكير كمادة مستقلة بمنهج متكامل يلازم الطالب طيلة مراحل تعليمه؛ فيتمكن من القدرة على التفكير بمهارة عالية مبنية على الأسس العلمية للتفكير، وبذلك نكون قد أحدثنا نقلة نوعية متميزة في التعليم، فبدلاً من أن ننقل المعلومة إلى الطالب عن طريق المعلم داخل الفصل بالتلقين والتحفيظ فقط دون ضمان جودة المخرج، سوف نصل عن طريق تعليم التفكير إلى سعي الطالب إلى اكتساب المعلومة والبحث عنها من عدة مصادر ومن ثمّ توظيفها في شؤون الحياة اليومية، ونضمن - بإذن الله - جودة المخرجات التعليمية، وسيتم القضاء على السطحية في التفكير بسبب الحفظ المجرد عن الفهم والتفكر والتدبر، كما سيتم التحرر والبعد عن الجمود والركود في استخدام والاستفادة من المعلومات، وقد أحسن من قال: (لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة والعلم إلاّ بعد أن يتعلم كيف يفكر).