تفاعل الإعلام الغربي وبشكل غير مسبوق مع قرار بريطانيا بأن تصبح أول دولة غربية تصدر صكوكا سيادية. وخرجت صحيفة «سيتي أيه إم» بعنوان عريض تقول فيه إن بريطانيا قد تساهم في إشعال فتيل «عصر النهضة» لصناعة المالية الإسلامية. حيث يرى محللون أن هذا الإصدار المزمع سيساهم في حدوث زيادة منقطعة النظير في الأنشطة المالية الإسلامية في الغرب. يذكر أن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني قد اتخذ خطوة في اتجاه جعل لندن مركزاً رائداً للتمويل الإسلامي بإعلان خطط ستصبح بريطانيا بمقتضاها أول دولة غربية تصدر صكوكاً سيادية بقيمة 200 مليون جنيه استرليني.
ومن المتوقع أن تصدر الصكوك العام المقبل - وهي أصغر بكثير من صكوك كانت لندن تنوي إصدارها سابقا. لكنها ستكون أداة لإدارة السيولة طالما انتظرتها البنوك الإسلامية الستة في بريطانيا وقد تشجع شركات محلية على دراسة إصدار مماثل.
وأعلنت بريطانيا في البداية خططاً لإصدار صكوك سيادية قبل خمسة أعوام لكن الإصدار لم ير النور واعتبر مكتب إدارة الديون الحكومي تكلفة الصكوك مرتفعة جدا.
أما الطرح الجديد فهو أقل من خمس حجم الإصدار الأصلي ويهدف إلى دعم مكانة لندن أكثر منه إلى تنويع قاعدة المستثمرين في بريطانيا.
من ناحيه أخرى، قد يحقق نوع جديد من الصكوك أصدرته وحدة بريطانية تابعة لشركة كويتية نجاحا في السوق كونه يمنح درجة أكبر من الأمان للمستثمر عبر تبني صيغة شبيهة بالسندات التقليدية المغطاة بأصول.
واستعادت السندات المغطاة بأصول انتعاشها في أوروبا والولايات المتحدة خلال الأزمة المالية العالمية حين أتاحت إمكانية الاستفادة من الأصول الداعمة للإصدار في حال تعسر المقترض مع إقبال المستثمرين إلى الاستثمارات السائلة والآمنة.
وقد تلعب هذه الصيغة دوراً الآن في التمويل الإسلامي إن تم حل مشكلات تتعلق بالمعاملة الضريبية والتسعير على نحو يرضي المستثمر. واستخدم بنك جيت هاوس في لندن وهو فرع من شركة بيت الأوراق المالية الكويتية صيغة الصكوك المغطاة لأول مرة عبر إصدار خاص في ديسمبر - كانون الأول.
وأصدر البنك صكوكا بقيمة 6.9 مليون جنيه (10.4 مليون دولار) لأجل خمسة أعوام مدعومة بعقار في بازنجستوك في بريطانيا اشتراه البنك في يوليو - تموز 2011.
وأثبت الإصدار فاعلية هذه الصيغة وقدرتها على الخضوع للمعاملة الضريبية الضرورية حسب القواعد التنظيمية هناك.
الإصدار السيادي
وقال رئيس الوزراء البريطاني أمام المنتدى العالمي للاقتصاد الإسلامي في دورته التاسعة: «أنا لا أريد أن تصبح لندن عاصمة كبرى للتمويل الإسلامي في العالم الغربي وحسب. أود أن تقف لندن إلى جانب دبي وكوالالمبور كواحدة من عواصم التمويل الإسلامي الكبرى في العالم».
وكتب وزير المالية جورج أوزبورن في صحيفة فاينانشال تايمز يقول «طموحنا واضح أن تصبح بريطانيا أول حكومة تصدر سندات إسلامية خارج العالم الإسلامي».
ولدى لندن وهي القاعدة الأوروبية للعديد من البنوك العاملة بالشرق الأوسط تشريع مفعل لجذب مزيد من الأعمال وجذبت طروحات صكوك تربو قيمتها على 34 مليار دولار من أنحاء العالم في السنوات الخمس الماضية. لكن مسألة صدور صكوك بقيم مالية كبيرة من شركات محلية في بريطانيا لا تزال بعيدة المنال.
وقد لا تتعارض صكوك حكومة بريطانيا كونها تهدف إلى دعم وضع لندن كمركز للتمويل الإسلامي مع مبدأ «تحقيق القيمة لدافعي الضرائب» الذي يتوخاه مكتب إدارة الديون وهو اختبار فشلت الخطة الأصلية في اجتيازه.
وقال ناطق باسم المكتب «الحكومة كانت تتطلع في السابق إلى برنامج كبير نسبيا لطرح الصكوك ضمن برنامج التمويل الاعتيادي لديها. لكنها غيرت الاستراتيجية للنظر في طرح أكثر اعتدالا بمنافع أكبر تشمل حفز النشاط بقطاع التمويل الإسلامي».
واعتبر أن الإصدار الأصغر حجما سيكون ذا كفاءة على مستوى التكلفة على الأرجح.
وقال ريتشارد ويليامز رئيس التمويل في بنك لندن والشرق الأوسط أكبر بنك إسلامي متكامل في لندن إن إصدار الصكوك البريطاني الذي سيحمل الدرجة الاستثمارية سيحظى بترحيب الشركات المقرضة المحلية التي قد تستخدمه لإدارة السيولة.
وسبق أن استخدمت بريطانيا الاستثمارات الإسلامية لتمويل إنشاءات هامة في لندن منها ناطحة السحاب «شارد» والقرية الأولمبية.
الصكوك المغطاة
وفي حالة السندات التقليدية المغطاة يحق للمستثمر تحريك دعوى قانونية ضد المصدر والتصرف في الأصول الداعمة للإصدار مما يعطيه حماية مزدوجة.
وتقول فارميدا باي الشريك بشركة نورتون روز في لندن وأحد المشاركين في إعداد الصفقة إن صكوك جيت هاوس تعمل على نحو مشابه فتجمع بين التزام البنك بإعادة شراء الصكوك وهذا مستوى أولي من الحماية وفي حال التعسر توفر حماية ثانوية عبر إمكانية التصرف في الأصل.
وتقوم صكوك جيت هاوس على صيغة عقد الإجارة شائع الاستخدام في قطاع التمويل الإسلامي الذي لا يمنح المستثمر في غالب الأحوال حق التصرف في الأصول الداعمة للإصدار.
وتعد الإجارة العادية صيغة قائمة على أصول لأنها لا تشمل نقلا كاملا للأصول إلى المستثمر. وتقول باي إنه مع إضافة مستوى ثان من الحماية أصبحت صكوك جيت هاوس مدعومة بأصول.
وطالب علماء شريعة القائمين على التمويل الإسلامي بالتحول من الصيغ القائمة على أصول إلى الصيغ المدعومة بأصول إذ يرونها أقرب إلى مبادئ تقاسم المخاطر في الشريعة.
وتقول باي «هذه الصيغة تجيب على السؤال عما إذا كانت الصكوك قائمة على أصول أم مدعومة بها».
وحسب شاهد فيروز نائب الرئيس المساعد بشركة جيت هاوس توفر هذه الصكوك توزيعات أرباح سنوية بنسبة ثلاثة في المائة وتتيح خيار استرداد أصل المال كل ثلاثة أشهر.
وتعد سوق السندات التقليدية المغطاة وسيلة تمويلية شائعة الاستخدام في أوروبا الآن. وحسب ستاندرد اند بورز بلغ حجم إصدارات السندات القياسية في أوروبا 130 مليار يورو (174 مليار دولار) عام 2012. وجذبت الحماية المزدوجة لهذه السندات اهتمام شركات التأمين.
ويقول متحمسون لهذه الصيغة لرويترز إن السندات المغطاة تفي بمصالح المصدرين والمستثمرين على السواء لأن الجهة المصدرة تلتزم بضمان جودة الأصول الداعمة للإصدار.
لكن هناك عقبات كبيرة أمام التوسع في استخدام الصكوك المغطاة خصوصا خارج البيئات الضريبية المواتية في بلاد مثل البحرين ولهذا لم تستخدم في السابق.
وفي منطقة الخليج لا يتضح مدى رغبة المقترضين في ربط أصولهم لتوفير هذا المستوى من الأمان وقد لا يقبل مستثمرو الخليج الإيرادات المنخفضة نسبيا للصكوك المغطاة.
لكن ثمة ميزة كبيرة محتملة للصكوك المغطاة في الخليج. فبفضل مستوى الأمان بها يمكن استخدامها إن صدرت بأحجام كبيرة كأدوات قابلة للتداول بأسواق المال الإسلامية إذ تعاني المنطقة عجزا في هذه الأدوات.
ويقول فيروز «الصكوك أداة سائلة قابلة للتداول ويمكن استخدامها كأداة إيداع قصيرة الأجل لثلاثة أشهر».
ويضيف: «نرى شهية لدى المستثمرين للصكوك المدعومة بأصول عالية الجودة ذات تدفقات الدخل المستقرة في المدى الطويل. والطلب على الصكوك صحي جدا ونرى هذا الاتجاه في تزايد كبير».