مع تجدد الحضارة المدنية الغربية وتطورها في شتى المجالات وتقدمها في شتَّى التوجهات فهناك فئات من الأمَّة تشتت أهواؤهم واختلفت آراؤهم وتباينت مذاهبهم وتعددت تياراتهم لتعدد موارد تعلمهم واختلاف مدارسهم الفكريَّة فأضحوا صيداً سهلاً للعقائد المستوردة الهدامة وجميعها تدخل تحت قاعدة التغريب تحميهم وتدافع عنهم وتشجعهم وتناصرهم أقلام إعلامية حاقدة وبعيدة كل البعد عن قاعدة الشريعة الإسلاميَّة الصحيحة، وذلك استجابة لمبدأ - يتردد على ألسنة بعض هؤلاء الذين يدعون أنهم مثقَّفون أو من الطبقات الاستقراطية عالية الفكر والتطور الحضاريِّ تحت قوانين وضعية جاهليَّة فاسدة حاقدة تحارب شريعة الرحمن بطرق عدَّة وتحتكم في كل ما تأتي وما تذر إلى الهوى والخنوع والتبعية المقيتة والسعي لتقليدها.
تحت قاعدة (( خالف تُعرف)) فإن هذه الجملة الفعلية المختصرة لم يكن صاحب الهدف فيها واضحاً أمام القراء الكرام - بخلاف بعض العبارات والجمل التي يظهر فيها المخاطب جلياً على السطح حيث إن لكل كلمة لها معنيين:-
أ- معنى لفظي.
ب- ومعنى معنوي.
فإن لهذه الجملة مثل ما للكلمة فإذا كان المرء في الأولى مستتراً فإنه سيكون في العبارة الثانية ظاهراً ويحاول بقدر ما يستطيع رفع شعار راية التقدم عالياً حتى يراه الناس ولو دفع في سبيل ذلك أموالاً طائلة حتى تتحقق له أهدافه ومقاصده وغاياته المزيفة فهو يسعى بكل ما أعطي من تسهيلات ووسائل متاحة لديه من الصعود إلى درجات القمَّة ليراه الناس ويشاهدونه على الطريقة التي يحلم بها ويتمنى أن يسير عليها حتى ولو كان على حساب خلاف شريعة الإسلام - حيث إنه يبذل الغالي والنفيس إلى الارتقاء إلى مكانة اجتماعيَّة مرموقة يحلم بها منذ أن وضع قدميه في بداية الطريق حتى ولو كان الطريق صعباً أو ضيِّقاً أو متعرجاً علماً أنه يدرك تمام الإدراك مدى أضرار تلك القمَّة التي رفع شعار رايتها عالياً بدون بعد نظر فاحصة وعين ثاقبة حيث يرى الآخرون الذين حوله في أعلى قمَّة وهميَّة يشاهدهم ويشاهدونه - فلو كان هذا المرء على سبيل المثال لا الحصر في أعلى قمة في العالم وهي قمة افرست فإنه ينظر إلى الناس اقزاماً صغاراً فإن المعادلة العلميَّة تقتضي أنهم إذا رفعوا أبصارهم إليه شاهدوه كما يشاهدهم وهكذا...
فهذه حقيقة مسلم بها لا تقبل الحراك والعراك ولا الجدال العقيم ولكن النفوس البشريَّة التي تشعر بالوحدة وتدرك بمركب النقص بها من قبل محيطها الاجتماعيَّ تشعر بالانعزالية تارة والتهميش تارة لأسباب عدَّة وذلك لبعدها عن شريعة الرحمن وخروجها على الثوابت الشرعية مع نشر الأفكار الدخيلة على مجتمعاتها والبعيدة كل البعد عن شريعتها الإسلاميَّة الصحيحة وذلك من أجل بث السموم والتيارات السيئة في مجتمع يحقق لها أبسط السبل وأسهل الطرق فتجد فئة من الناس تتبع التيار الليبرالي الذي يسعى في الأصل إلى الحريَّة التي تجعل المرء يفعل ما يريد ويتحدث ما يريد بدون التقيد بالشريعة الإسلامية السمحة -تجده إله نفسه، وعابد هواه، غير محكوم بشريعة من الله تعالى، ولا مأمور من خالقه باتباع منهج إلهي ينظم حياته كلها كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (سورة الأنعام آية 163)، وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (سورة الجاثية آية 18)، وفتة تتبع التيار العلماني الذي يسعى جاهداً في الأصل بعد المرء عن دينه وجميع المعتقدات الدينية وعن السياسة وأمور الحياة العامَّة .
وعدم إجبار الكل على اعتناق وتبني معتقد أو دين معين لأسباب ذاتية غير موضوعية . فهي بمعنى آخر - رفض أية سلطات تشريعية أو تنفيذية في الدِّين تتدخل بحياة المرء.
فهؤلاء الفئة من الناس مع الأسف الشديد انتهجوا طريقاً شائكاً متعرجاً دب اليأس في نفوسهم قبل أن يصلوا إلى المكان الذي يسعون من أجله والهدف الذي يرفع من شأنهم ويعلي ذكرهم على ألسنة الآخرين إلى جانب وسائل إعلام تنادي وتحث نتيجة لذلك فإنهم يسيرون أو يغردون تحت قاعدة هذه المقولة التي تُدعى (خالف تُعرف) يسيرون عبر طرق ملتوية لبث رغباتهم وأهدافهم بين أفراد الأمة في سبيل العلو والرفعة والشهرة حتى يحققوا أهدافاً وحقائق علميَّة ونتائج مفيدة - فهم يدركون تمام الإدراك أنهم يسيرون عبر منهج مظلم ولكنهم يطمعون من باب الشهرة والعلو حتى يصلوا إلى ميادين الإطراء الذي يريدونه فقد التقيت بعدد المثقَّفين وبعض أنصاف المثقَّفين في جلسة مسائية مباركة عند أحد الزملاء الأفاضل في ليالي عيد الفطر المبارك لهذا العام 1434هـ - 2013م فقد شدني حوار هادف في بداية الأمر ثم تحول رويداً رويداً إلى عراك وحراك مما جعلهم يفقدون أبجديات الحوار - بين شخصين كل منهما يدعي أنه على حق هذا من فئة الليبرالية وهذا من فئة العلمانية فحاولت بقدر الامكان أن أكسر قاعدة الحراك والعراك حتى ينتهي النقاش الحاد بسؤال فلسفي فحاولت بقدر الامكان أن امارس السباحة في المياه العميقة ووجهت إليهم وسؤالاً مغلفاً بنزعة نقدية جميلة .. كان السؤال بمثابة مفاجأة بالنسبة إليهم فتلقوه بابتسامة صفراء لم أفهم دلالتها إلا بعد حين إلا أنني لم أقتنع بالإجابة الأولى التي أدلوا بها ووجهت إليهم سؤالين في صيغة واحدة لم يحتملا هذه المجاراة فغضبا غضباً شديداً وارتفعت أصواتهم عالياً مما جعلهم يخرجون عن آداب الحوار الحضاري فشعرت بعد ذلك أنهما لا يدركان أهداف وغايات الليبرالية والعلمانية جيداً فلزمت الصمت وانتهى الحوار...
فالعلمانية والليبرالية دعوات صَدَّعت بوحدة الأمة الإسلامية وأذاقتها ويلات الذِّل والمهانة.
والمتعلّقون بتلك المبادئ يرون أنها لا تكون في ظل الإسلام - فأعداء الأمة الإسلامية يلبسون أحياناً ثياب الصداقة أو المواطنة وتارة يرتدون جلباب النقد الهادف المتجرد من عواطف الناقد ومعتقداته.
وعلى أية حال فإن آداب الحوار أو النقاش يجب أن يكون بعيداً كل البعد عن الاحتقان أو التوتر نحاور ولكن دون اتهام نفكر في أمورنا دون صدام.
كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (سورة آل عمران آية 31).
فالحكمة والمنطق السليم والنصيحة الهادفة من القيم السامية التي تجعلنا أن نأخذ بأيدي هؤلاء الإخوة الأفاضل إلى الطريق الصحيح و البعد كل البعد عن هذه التيارات الفاسدة فهم إخواننا وأبناء هذه الأمة فهم يمتطون معنا عبر سفينة الأمان التي تواجه عصرنا الحاضر أمواجاً عاتية تهب عليها من كل حدب وصوب، فالواجب علينا جميعاً أن نتفاهم ونتعاون فيما بيننا حتى تصل السفينة بنا إلى مرفأ الأمان وذلك عبر طريق سليم وحوار هادف، بعيد كل البعد عن التعصب الأعمى كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} (سورة الرعد آية 17). أسأل الله لنا ولهم التوفيق والسداد في القول والعمل إنه سميع مجيب.