طالب عضو هيئة التدريس في كلية التربية بالزلفي الدكتور صالح بن فريح البهلال الآباء والأمهات بعدم الدعاء على أبنائهم أو بناتهم عندما يغضبون عليهم، بل يحرصوا على الدعاء لهم، وتوطين أنفسهم على الحلم والأناة.
وقال فضيلته في مستهل حديث له لـ» الجزيرة» ما أجهل الإنسان وأضعفه، خلقه الله عجولاً؛ يبادر الأشياء، ويستعجل وقوعها، وربما كان فيها حتفه، ويهرع إلى الأمر يريده، ويخف فيه من غير روية، ثم لا يناله، فيسيل دمعه أسفاً عليه، ويضرب أخماساً بأسـداس، وما علـم بأن الله - سبحانه ـ قد صرف عنه بذلك شراً، وتأتيه الغضبة في لحظة، فيرمي شريكة عمره، وحبيبة قلبه بالطلاق؛ فيقطع حبلاً قد وَثَق، ويفتق شملاً قد رَتَق، وتأتيه الغضبة فيصرم ابنه الذي هو حُشاشة فؤاده، وثمرة قلبه بالدعاء المر المهلك، فتحل القارعة بابنه، وتنزل المصيبة بأهله، ويكون هذا الداعي عليه بالسوء أول المنكوبين النادمين؛ فلا يزال يقرع سنه، ويعض على يده، ويتجرع ويلات التعجل وغصص الندم.
ودعا د. البهلال المسلم أن يفقه الكيفية الشرعية في التعامل مع الغضب، فالغضب لا يخلو منه إنسان، فمستقل منه ومستكثر، وإذا عمل المسلم بالموقف الشرعي في التعامل مع الغضب استراحت نفسه، ولم يضر غيره، ومما ورد في السنة مما يشرع للغضبان فعله أن يلتزم الصمت حال غضبه فلا يتكلم بأمر ولا نهي حتى لا يقع منه ما لا يحمد، فسرعان ما يندم الإنسان على كلامه بعد انجلاء غضبه، وقد أخرج أحمد من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت)، وكذلك مما يشرع فعله عند الغضب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد أخرج البخاري من حديث سليمان بن صرد - رضي الله عنه - قال: كنت جالساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجلان يستبان، فأحدهما احمرَّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:» إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان. ذهب عنه ما يجد. كما طالب المسلم بأن يعوِّد لسانه قول الخير؛ لئلا يزلَّ أو يضلَّ، فاللسان كالإناء ينضح بما فيه، ومن لم يلجم لسانه بلجام البِّر، ويخطمه بخطام التقوى، فإنه يتفلت عليه، ويلج في الغواية، ويوغل في العماية، ويصيب جرحاً لا يندمل، ويسيل دماً لا يتوقف، وإذا عوِّد اللسان قول الخير اعتاده، وصار ديدناً له في الرضا والغضب، وفي ذات السياق قال الدكتور صالح البهلال: على المسلم كذلك أن يكثر من سؤال الله أن يلهمه قول الحق في الغضب والرضا، ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أخرجه النسائي، من حديث عمار بن ياسر: (.. وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب..)، فالدعاء يظهر عجز الإنسان، وحاجته الملحة إلى ربه بألا يكله إلى نفسه، وأنه لولا الله لكان هملاً مضاعاً، ولقىً مزدرى، ولكن الله هو الذي ينعم ويتفضل، ويعصم من السوء، وموارد الهلاك، وأن يتأمل عاقبة تعجله في الدعاء؛ فالعاقل من إذا استيقن بأن دعوته حال غضبه ربما أفسدت عليه دنياه، كف وتريث؛ فالصبر لحظاتٍ أولى به من الفجيعة سنواتٍ، وقد أخرج مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءٌ، فيستجيب لكم».
وشدد فضيلته على ضرورة أن يعود المسلم نفسه على التؤدة والأناة، وعدم العجلة، فقد أخرج مسلم من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما ـ أن رسول الله قال لأَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ: « إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالأنَاةُ «، وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن سرجس المزني - رضي الله عنه - أن النبي قال: (السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة)، وأخرج عبد الرزاق عن معاوية في رسالته لعمرو بن العاص: (إن الرشيد من رشد عن العجلة، وإن الخائب من خاب عن الأناة، وإن المتثبت مصيب أو كاد أن يكون مصيباً، وإن المعجل مخطئ أو كاد أن يكون مخطئاً).
وحذر المسلم من أن يقول: إن تغيير الطباع مستحيل الوقوع؛ فإن تغيير الطباع أمر ممكن، فإن من عزم وجزم، وصبر وصابر، وجاهد واجتهد في تغيير أخلاقه؛ فإنه ما يلبث إلا وتتبدل أخلاقه، وتصلح حاله؛ فإن الله ـ سبحانه ـ قال: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ومن يتصبر يصبره الله..) أخرجه البخاري، فقد دل هذا الحديث على أن الأخلاق قابلة للتغيير، والنفس على ما يعودها صاحبها، وكم من الناس من تغيرت حاله، واختفت عيوبه، بسبب تمرينه نفسه، ورياضته طبعه، والعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه. وسأل عضو هيئة التدريس في كلية التربية بالزلفي ـ في ختام حديثه ـ الله أن يرزقنا كلمة الحق في الرضا والغضب، وأن يعيذنا وإياهم من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.