إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 مارس 2013 يعد قراراً مصيرياً بإنشاء هيئة تقويم التعليم العام لكونها أحد الضمانات التي ترى الدولة أنها تساعد في تجويد التعليم على مختلف مراحله المندرجة من رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية، وذلك من خلال تقويم أداء المدارس الحكومية والأهلية على حد سواء، بناء على معايير وأدوات محددة تعتمد بالدرجة الأولى على معايير الجودة والتمهين والقياس المتجرد بعيداً عن التنظير والآراء والمرجعيات والأجندة القديمة التي امتلأت بها دهاليز وزارة التربية والتعليم في نظم (التجريب) طويل الأجل الذي عانى منه الميدان التربوي والتعليمي وعلى مدى أكثر من نصف قرن من عمر الوزارة، إذ كان التعامل مع الميدان وتقويمه يقوم عبر المهدئات والمسكنات الوقتية على الرغم من الإنفاق الكبير الذي تصبه الدولة على قطاع التعليم عبر ميزانياتها المتعاقبة، إلا أن أصحاب القرار لم يواكبوا مستجدات العصر وتطلعات القيادة العليا ليكون قادراً على خلق وتنمية وإنشاء أجيال واعدة قادرة على التعامل مع النظم الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة والمنافسة في عالم متغير، يسعى لجعل العملية التربوية والتعليمية كوحدة متكاملة تهدف لتحقيق أعلى مستويات الجودة الشاملة في التعليم العام وفي كافة عمليات المنظومة المدرسية وبأرقى مستوى وأعلى تقويم وأفضل الأدوات من حيث الدقة والجودة والتميز وربطها مباشرة بالمخرج النهائي، لذا لا بد للهيئة الجديدة محافظاً وأعضاء أن يولوا الأمر السامي الكريم من وراء إنشاء وإقرار هذه الهيئة الكثير من العناية الفائقة والرعاية التامة من تقويم التعليم بكل مراحله ومباشرة الممارسة الفعلية للمهام وباستقلال تام عن وزارة التربية والتعليم، فهي هيئة مستقلة ذات رؤية وأهداف مستقلة ونظام خاص تعنى ببناء المعايير وضبط آليات التقويم لكل ما يتعلق بالعملية التعليمية من كافة العناصر دون استثناء وبشمولية تامة، إن ارتباط الهيئة بالوزارة أحد أكبر العوامل التي ستقف ضد هذا التجديد، فلا بد من استقلالها تماماً عن الوزارة كما نص على ذلك نظامها، لترتبط مباشرة بالميدان المؤسسي التربوي والتعليمي، ومن وسط هذا الركام وإثارة الغبار، ونفض ملفات عالقة تنتظر التقويم الفعلي المباشر ومن داخل الميدان، لا من تقارير واستبانات ورقية أبعد من أن تكون عن ملامسة الواقع المعايش داخل مؤسسات التعليم العام حكومية وأهلية، لذا سيكون لزاماً عليا أن نطرح الأسئلة التالية أمام محافظ وأعضاء الهيئة.
أولاً: أن تواكب الهيئة مرحلية أكبر عملية انتقالية في رسم الصورة الواضحة لواقع مخرجات التعليم العامة من خلال تطبيق أعلى معايير التقويم ومن داخل بيتنا التعليمي الفعلي.
ثانياً: الاستقلالية التامة عن وزارة التربية والتعليم، عملاً وأداءً ومباشرةً ونظاماً ولجاناً وبرامج وحضوراً وتقويماً، والانعتاق من الوزارة وجهازها، فارتباط الهيئة برئيس مجلس الوزراء دور مؤسس لتقوية نفوذها وأدوارها وعملها للحفاظ على جودة المنتج التعليمي الذي نترقبه وبشكل دوري مستمر لا يتوقف ولا يحدد بوقت أو فصل دراسي أو عام دراسي واحد؟!! بل تقويم مستمر ومتتابع ومراجعة دائمة وفق أساليب ومعايير تقويم عالمية، ليتم الكشف عما تم إنجازه، وهل تمكنت المؤسسات التعليمية حكومية أو أهلية من تحقيق أهداف المرحلة التي تتبع لها من حيث المدخلات والعمليات والمخرجات، ثم وضع خطط منظمة ومنتظمة زمنية على المدارس أن تتبعها وتقوم بتقييم أدائها وفق معايير محددة كل سنة دراسية، وملاحظة مدى التقدم الذي أحرزته في كل عام دراسي، وهذا سينعكس إيجاباً على تحسين عمليات التعليم والتعلم في المدرسة وبتكاتف الجهود بين الهيئة والمدرسة.
ثالثاً: ألا تتمحور الهيئة في سن نظام بيروقراطي مركزي محلي خاص ومغلق داخل حدود مبنى الهيئة دون الانفتاح المباشر على المؤسسة التعليمية والنزول إلى مرتكزات العملية التربوية والتعليمة: من المعلم والمبنى المدرسي والطالب والمنهج الدراسي.. فلا بد من تقويم وتقييم واقعها والاستماع لمن هم في الميدان في بناء الرؤى التطويرية وصولاً إلى منظومة بناء التواصل بين الهيئة والميدان التربوي، إضافة إلى تعزيز دور المعلمين والمعلمات في عملية التقويم.. فهو المعنى والمعزز الكلي لهذه العملية إذا ما أحسن اختياره وتأهيله وتدريبه على رأس العمل، وهو الأساس الأول في تكوين المخرج الذي نريد.
رابعاً: هل دور الهيئة سيكون دوراً رقابياً تقويمياً فقط أم أنها ستتبنى وضع الحلول المناسبة لمكامن الخلل ما بعد التقويم وحسب أولوية العمل وأهميته وبمستويات طرح لا تقبل أنصاف الحلول في وضع مهترئ وغير مؤهل حتى لعمليات التقويم البناء، إذ لا يوجد أي توازن أو توافق أو حتى تناغم في منظومة تكامل عناصر العملية التعليمية، إذ يوجد خلل قائم في مواكبة ما يفتقده الميدان التربوي مع نظام الجودة والتقويم الشامل، إذ لا يوجد قبل إقرار الهيئة أي تقويم يذكر سوى الاختبارات التقليدية التي تنتهي من حيث تبدأ في كل فصل دراسي لتكون كما زائدا من تدوير الورق الذي سرعان ما تتخلص منها المدرسة.
خامساً: يتوجب على الهيئة ترسيخ ثقافة (التقويم) بدءاً من الطالب والطالبة إلى المعلم والمعلمة وأن الهدف الأساس التحسين المستمر في العمليات التعليمية والإدارية وبجودة عالية. كما أن عليها نشر وإعلان الرؤية العامة والرسالة والقيم والأهداف والهيكل التنظيمي للهيئة.
سادساً: تركيز الإدارة العليا للهيئة على الحقائق كأساس لاتخاذ القرارات، وعلى النتائج والمخرجات كمقياس لمدى التحسن لا على أساس التكهنات والافتراضات الشخصية والآراء القاصرة على التنظير الذي لا يلامس واقع الميدان التربوي.
سابعاً: ألا تقوم الهيئة باستعجال النتائج، والحكم عليها دون تحليل أو استقصاء، وألا تقوم بالتركيز في عمليات التقويم على الجانب التقني على حساب العنصر البشري أو العكس، أو أن تلتفت إلى الدعاية على حساب التطبيق الفعلي حتى ولو كان من بيوت الخبرة التجارية.
ثامناً: أن تقوم الهيئة برسم خريطة طريق معلنة الأهداف تبدأ بالأهم فالأهم حسب أولويات الحاجة وتوضح فيها مناطق تركيز الجهود في شرائح التقويم بطريقة منظمة والاستفادة من نماذج العالم من حولنا الذي سبقنا في تجربة (التقويم) وذلك لتقوم الهيئة على أرض الواقع وتقوّم واقعه.
تاسعاً: أن تقوم الهيئة بتهيئة المؤسسات التعليمية في التعليم العام لهذا المشروع الجبار الذي ستقوم به الهيئة وهو بمثابة مشروع وطني محض لا بد أن يتكاتف الجميع على إنجاحه بحس وطني واع ومسؤول، وألا تتفرد الهيئة بالقرار الأحادي من خلال التقويم الأولي، بل لا بد أن يخضع التقويم الأولي، بل لا بد أن يخضع التقويم لأكثر من استبانة معتمدة خاضعة للتدقيق الدوري والمراجعة الدائمة وتكون مرتكزة على أعلى درجات الجودة في النوع لا الكم.
عاشراً: لا بد أن تكون هناك جهة رقابية على أعمال الهيئة ويتم تقويم أدائها وعملها وسياساتها، ويعطى مؤشرلنجاحها بمدى نجاح الاداء والتحسن في الميدان التربوي من خلال تقدم مخرجات التعليم ومسارات تحسن نتائج تعلم الطالب التحصيلي، ومدى انضباط والتزام العاملين فيه، ولا بد للهيئة أن تقدم تقارير رسمية ودورية لما تم عمله، ورسم بياني يقدم في كل فصل دراسي أو في نهاية كل عام دراسي يحدد وبإحصائيات رقمية لمدى التحسن والتقدم الإيجابي في التعليم العام على مختلف مراحله.
أحد عشر: على الهيئة إيجاد فرص أمام المعلمين والمعلمات من ذوي الكفاءة والتأهيل والخبرة للتعبير عن رؤيتهم التربوية والمشاركة في أعمال الهيئة وهم الأقرب في ملامسة الميدان التربوي.