أثناء متابعتي لبعض القضايا التي تنشرها «الجزيرة» عن المحاكم أقول إن «سلك القضاء» عملٌ جليل لا يعمل فيه إلا من هو جدير أن يمتهن مهنة القضاء، ويكون مشهوداً له بالتجرُّد من المزاجية وذا قدرة على تحمّل أعباء عمل القضاء.. والقضاة فئة كريمة من عباد الله رفعهم الله بالعلم بمعرفتهم بأحكام الأديان السماوية، وتطبيق ما جاء في الكتاب والسنَّة، ويُعتبر عمل القضاة من أصعب الأعمال لأنه محفوف بالمخاطر بسبب الحكم على مختلف المذنبين في قضايا متشعبة مثل قضايا القتل والجرائم الأخلاقية والسرقة وغيرها، كما أن عمل المحاكم ممثَّلة في القضاة يشمل المتجاوزين سياسياً أو المتهمين بالأعمال الإرهابية، ومن الواضح أن جميع المحاكم في جميع مدن المملكة تتكدس بها القضايا مما يؤدي إلى تأجيل مواعيد جلسات الحكم إلى 3 ثلاثة أشهر على الأقل، وبعض القضايا تمر عليها سنوات لأنها تأخذ أبعاداً في التريث في الأحكام والشك في صحة القضايا والشهود أحياناً.
وبالرغم من مشروع الملك عبد الله في تطوير القضاء وزيادة عدد القضاة في المحاكم، بالإضافة إلى الجهود الحثيثة التي تبذلها وزارة العدل في تحسين أداء المحاكم، إلا أن محاولتهم في اختصار وقت القضايا لم تأت بنتيجة إلى الآن، هناك رأي يقول بأن المحاكم تُحمَّل ما لا تطيق، وحتى لو زاد عدد القضاة فإن فريق العمل من المساعدين وسكرتارية القضاة لا يزال بها نقص شديد، مما يؤدي إلى عرقلة عمل القضاة وتأجيل القضايا، ومما يزيد الطين بلة كثرة الدعاوى الكيدية ودعم الشهود الزور لبعض القضايا التي ليس لها مبررات ولا أساس من الصحة.
من المعروف أن القضاء في المملكة العربية السعودية يُراعي توصيات ولاة الأمر في مراعاة مصالح الناس المدّعين والمُدعى عليهم.. شيء مؤكد أن الخوض في هذا المجال يفتح المجال لتوسع أكثر، ومع إيماني ويقيني بشرف القضاء في بلادنا - إن شاء الله - إلا أنني من خلال هذا الطرح أود أن أقترح بأن يُعمل أسلوبٌ جزائي يساهم بعد تطبيقه في تخفيف أعداد القضايا المزيفة ويحد من القضايا الكيدية كما يلي:
تقوم وزارة العدل بتشكيل لجان من ذوي الاختصاص في الأحكام الشرعية والمحامين، ويطلب منهم تفعيل الأنظمة الجزائية التي تؤكد محاسبة أي مقدم لدعوى كيدية، على أن تشمل دراستهم إحداث صناديق جباية مالية في كل محكمة، ويطلب من كل مدّعٍ أن يُراجع تلك الصناديق ويسدد مبلغاً لا يقل عن 30.000 ريال ويحظر سند القبض لإرفاقه مع المعاملة، فإن كانت دعواه صحيحة فبإمكانه استرجاع المبلغ بتوجيه القاضي الذي نظر الدعوى وإذا كانت دعواه مزيفة وكيدية، فيُصادر ذلك المبلغ ويتبعه عقوبة بالسجن لا تقل عن شهر، وحيث إن الإجراءات المالية لها وقع إيجابي في الحدّ من السلبيات، فمن المؤكد أن أصحاب الذمم الرخيصة سيتراجعون ويتركون المجال لمن هو فعلاً بحاجة للجوء للقضاء، وفي نفس الوقت سيكون بإمكان العاملين في المحاكم التفرغ للقضايا الأكيدة، وسيؤدي ذلك الإجراء أيضاً إلى اختصار وقت النظر في القضايا ومراجعة جميع الأحكام، ومن خلال هذا الطرح أوجه دعوة أخوية خاصة إلى كل من تسوِّل له نفسه بإقامة الدعاوى الكيدية أو الاستعانة بشهود الزور أن يُراجع حساباته، ويعرف أن ما يقوم به عمل مذموم منافٍ للآداب ووسيلة للتحايل بأكل حقوق الناس بطرق غير سليمة، كما أن عقوبة الخالق عز وجل ستكون بالمرصاد لكل من يتحايل لأكل حقوق الناس بالباطل، والله الهادي إلى سواء السبيل.