كرَّم صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز، نائب وزير الخارجية رئيس مجلس إدارة مكتبة الملك عبدالعزيز العامة رئيس مجلس أمناء جائزة خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة، مساء الاثنين 16 ذي الحجة 1434هـ الفائزين بالجائزة في دورتها السادسة، في حفل أُقيم في قصر حاكم مدينة ساو باولو البرازيلية، بحضور السيد جيرالدو الكمين حاكم ساوباولو وسفير خادم الحرمين الشريفين في البرازيل الأستاذ هشام القحطاني وعدد من النخب البرازيلية والسفراء والمثقفين.
وبدأ الحفل بعرض فيلم تعريفي عن مسيرة وأهداف ورسالة الجائزة والدول التي أُقيمت فيها الدورات السابقة. بعد ذلك ألقى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز كلمته، التي قال فيها: يشرفني أن أنقل لكم تحيات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - وعميق تقديره لكم، ويسرني الترحيب بكم في حفل تسليم جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة في دورتها السادسة في جمهورية البرازيل الاتحادية, التي اختيرت بعناية لارتباطها بعلاقات أخوية وودية وثيقة بالشعوب العربية، في ظل وجود نحو عشرة ملايين برازيلي من أصول عربية, ثم لانتهاجها سياسة خارجية فاعلة, وثقت فيها علاقاتها مع العالم العربي، ودخلت في حوارات ثنائية، وعلى مستوى المنطقة، لدعم التعاون الاقتصادي والثقافي؛ ما ساعد على إقامة شراكات قائمة على الحوار والتفاهم والثقة والاحترام المتبادل, والقيم الإنسانية المشتركة.
وأردف سموه قائلاً: إن المملكة العربية السعودية تصافح بهذه الجائزة التقديرية العالمية شعوب العالم بكل ودٍّ وترحاب، وتحترم كل المبادرات والفعاليات التي تحترم الحوار والتعايش, وتسعى نحو الاستقرار في شتى الميادين والمجالات؛ لأن الترجمة تحمل فكرة التقارب المعرفي بين الشعوب, وتشكل جسراً للتواصل بين مختلف الثقافات والحضارات، كما تُعد إحدى أبرز الوسائل لنقل المعارف والعلوم والآداب, ومن أهم روافد الثقافة التي أحرزت انتشاراً واسعاً ومتنوعاً, وأوجبت الضرورات للقيام بها ومتابعتها.
وأضاف سموه: إذا كانت الترجمة عملاً ثقافياً, ينتج منه تواصل وتحاور طويل الأمد، على صعيد الأفراد والجماعات، فإنما تعبر أيضاً عن أبعاد حضارية قابلة للتعميم والانتشار عبر تفاعل الثقافات، في إطار من العلاقات المبنية على التبادل الثقافي والإبداع بين مختلف الشعوب والثقافات، كحوار ضمني بين تجارب الشعوب الثقافية من خلال الكلمة الفاعلة. ونستطيع التأكيد بعد سبع سنوات من انطلاقة هذه الجائزة العالمية أنها قد نجحت في إبراز أهمية الترجمة من خلال توحيد دلالات المصطلحات والمفاهيم؛ لنشر ثقافة إنسانية مشتركة, تقارب ما بين الشعوب، كما آمل أن تكون الجائزة نجحت في استقطاب كبريات الجامعات والمؤسسات العلمية والأكاديمية بجذب أفضل المترجمين من جميع دول العالم، للمشاركة والتفاعل مع أهداف الجائزة، للمساعدة في تنشيط حركة الترجمة العالمية.
وأشار سمو نائب وزير الخارجية إلى أن إقامة احتفال هذه الجائزة في دورتها السادسة في البرازيل تأتي تأكيداً للتواصل العربي البرازيلي، الذي سيؤكده أيضاً الاحتفال باليوم العربي ويوم التضامن مع فلسطين، الذي سيقام في العاصمة البرازيلية خلال الفترة من 29 نوفمبر إلى 4 ديسمبر من هذا العام.
وفي ختام كلمته، رفع سموه أسمى عبارات الشكر والتقدير والعرفان للحكومة البرازيلية، وإلى الإخوة في جمهورية البرازيل الاتحادية على حسن الاستضافة، كما هنأ الفائزين بجوائزهم التي يستحقونها, ومعالي سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية البرازيل هشام القحطاني، والعاملين في أمانة الجائزة، متمنياً لهم دوام التوفيق.
ثم جرى بعد ذلك توزيع الجوائز على الفائزين، وقدم أمين جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة د. سعيد السعيد أسماء الفائزين بالجائزة مع شرح عن لجان التحكيم لتحقيق الموضوعية والالتزام الكامل في جميع مراحل تحكيمها العلمي بالمعايير المعتمدة في لائحتها، من حيث جودة النص وحسن اختيار الموضوع والدقة والأمانة العلمية واحترام حقوق الملكية الفكرية، بما يتناسب مع مكانة الجائزة ورسالتها العلمية نحو تفعيل موضوعي لحوار بناء بين الثقافات العالمية ونقل المعرفة الأصيلة بين اللغات. وقد فاز في مجال جهود المؤسسات والهيئات «المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر» التابع لجامعة الدول العربية؛ ومنح الجائزة في مجال «العلوم الطبيعية من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية» (مناصفة) بين كل من الدكتورة ريم محمد عابد أبو راس الطويرقي عن ترجمتها كتاب «كيف تعمل الأشياء: فيزياء الحياة اليومية» والدكتور عبدالناصر صلاح إبراهيم والدكتور علي عبدالله السلامة عن ترجمتهما كتاب «بكتيريولوجيا البشر (نظرة بيئية)». ومُنحت الجائزة في مجال «العلوم الإنسانية من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية» (مناصفة) بين كل من الدكتورة سلوى سليمان نقلي عن ترجمتها كتاب «مقدمة في النقد الشعري المعرفي» والأستاذة رشا سعد زكي عن ترجمتها كتاب «الاقتصاد التطبيقي». ومُنحت الجائزة في مجال «العلوم الإنسانية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى» للدكتورة سيسيليا مارتيني عن ترجمتها كتاب «(الفارابي) كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون الإلهي وأرسطوطاليس». ومُنحت الجائزة في مجال «جهود الأفراد» (مناصفة) بين كل من البروفيسور جواو بابتستا دي ميدييروس فاخنيس والبروفيسور لويس ميقيل كانيادا. فيما أعلن د. السعيد حجب الجائزة في مجال «العلوم الطبيعة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى»؛ وذلك لعدم استيفاء الأعمال المتقدمة للمعايير العلمية للجائزة.
وأعرب الفائزون عن شكرهم لخادم الحرمين الشريفين على هذه الجائزة، التي أصبحت جسراً للتواصل بين الحضارات.
تلا ذلك كلمة المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، قال فيها: إن الترجمة في كل الثقافات والحضارات كانت - وما زالت - وسيلة حضارية ومؤشراً مهماً على عظمة الاختلاف ورقي التنوع وقوة التواصل مع الآخر، وجسراً ممدوداً بين الأمم، ومساحة ثابتة لجغرافية الوجود.. آية دالة على عظمة الاختلاف، وروعة التنوع، على امتداد الزمان والمكان؛ لذلك كان استثمار الملك عبدالله بن عبدالعزيز في هذا المجال الحضاري الثري لتنشيط حركة الترجمة من اللغة العربية وإليها، ودعم فرص الحوار الفاعل، وتعزيز التواصل المعرفي بين الدول والشعوب.
وأكد ابن معمر أن رؤيته - حفظه الله - وتوجيهاته السديدة في هذا الخصوص منحتانا القوة الدافعة لما تحقق لها من نجاح خلال دوراتها الستة، التي انطلقت من الرياض؛ لتحتضنها تباعاً عواصم دولية مهمة (الدار البيضاء، باريس، بكين وبرلين)؛ لتحط رحالها في محطتها السادسة في ساو باولو، تلك المدينة الكبرى في أمريكا اللاتينية، وثالثة كبريات مدن العالم. وما نرجوه أن تشكل هذه الجائزة وهذا اللقاء معكم نقطة انطلاقة جديدة في العلاقات الثقافية بالبرازيل، وأمريكا الجنوبية، ونحن على ثقة تامة باستعدادنا لبذل كل ما نستطيع للسير قدماً بهذه الإنجازات الثقافية، والارتقاء بها إلى المستوى المطلوب والمأمول، ونطمح لتفعيل حركة ترجمة عربية برتغالية قوية، يشارك فيها المختصون والمهتمون بهذا المجال، ينبثق منها عناية خاصة بالترجمة، تنتقي وتنتخب ما يترجم، وكذا تقوم بالتنسيق للعمل على وجود ترجمات تثري هاتين الثقافتين العريقتين. وأشار المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز إلى أن المتأمل في تاريخ الحضارات الإنسانية يجد أن الشراكة المعرفية، المبنية على الترجمة، وإن حملت أسماء وصفات مستمدة من لغة ما، أو حضارة ما، أو ثقافة ما، إنما تدين بوجودها ونشأتها ونموها وتطورها لإسهام الأمم الأخرى، وأنها - في الحقيقة - مؤسسة على شراكة معرفية، تتجاوز حدود الزمان والمكان واللغة والجنس، وقد أثبتت ذلك الحضارات العريقة، القديمة والحديثة منها على السواء.
وتطرق معاليه في كلمته إلى تجربة نجاح النهضة البرازيلية، التي ما كان لها أن تحدث لو لم تتوافر هذه الشراكة المعرفية والإنسانية الحقيقية ووعي المثقفين لأهميتها، التي استطاعت تقديم عروض ناجحة وقوية وصادقة رشحت جمهورية البرازيل لتصبح رابع قوة اقتصادية صاعدة في القرن الحادي والعشرين، بوصفها (المستودع الغذائي للعالم)، بفضل امتزاج جذور الثقافات المتنوعة، بما مكنها أيضاً من الحصول على تنظيم أهم حدثين رياضيين في العالم، هما بطولة كأس العالم في 2014، إضافة إلى الألعاب الاولمبية في 2016، التي فازت بها ريو دى جانيرو.
وقال ابن معمر: إن أبرز نقاط الجذب لهذه الجائزة العالمية - إضافة إلى الدعم المعنوي والمادي - هو انفتاحها على الثقافات واللغات كافة، واعتبار الفيصل في ذلك قيمة العمل المترجم، وما يضيفه للعلم والمعرفة؛ لذلك نفخر بالإقبال الكبير عليها، الذي يعكسه حيازتها مصداقية المبدعين وثقتهم بنهجها؛ إذ استقبلت خلال الدورات السابقة والحالية (869) مشاركة من (51) دولة في مختلف الفروع، بـ(36) لغة. مؤكداً أن استراتيجية الحوار الفعال، التي ننتهجها بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لمد جسور التواصل وتعزيز آليات الحوار الحضاري بين الدول والشعوب وأتباع الأديان والثقافات، تقوم على محاور عدة، منها: مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا؛ لتعظيم دور المعرفة لتحقيق هذا التعايش والتفاهم بين الأمم والشعوب؛ لتصبح ملتقى للفكر والعلم والمعرفة، ومنتدى عالمياً، ينتصر لقيم التعايش والتشارك، ويعزز أواصر التقارب الثقافي العالمي كأول مؤسسة دولية في هذا المجال أسسته المملكة والنمسا وإسبانيا وبعضوية الفاتيكان، بوصفه عضواً مراقباً.
وكذا هدية الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأخرى للعالم، هذه الجائزة الحضارية العالمية من أجل تعزيز آليات التواصل المعرفي بين دوله وشعوبه، بوصفه ضرورة للتفاهم والتعايش السلمي والتعاون، فيما يعود بالنفع على الإنسان أينما كان، وخصوصاً بعدما تعالت بعض الأصوات التي تروج لدعاوى الصراع الحضاري. بعد ذلك ألقى حاكم مدينة ساو باولو البرازيلية السيد جيرالدو الكمين كلمة، أكد فيها عمق العلاقات بين البلدين منذ عام 1963م، مشيراً إلى الترحيب الكبير لهذه الجائزة في البرازيل، ومؤكداً الدور الكبير الذي تلعبه المملكة في تعزيز الثقافة، خاصة تعزيز اللغة العربية على المستوى الدولي. مبيناً أنه يوجد 600 كلمة تستخدم في البرازيل من أصول عربية. وأعرب في ختام كلمته عن تشرف مدينة ساوباولو باحتضان الجائزة التي تكرم المترجمين الذين يجسدون إبداع المؤلفين، وينقلونه إلى حضارات أخرى.