كان وجهها شاحبا كأرض هزّها زلزال عنيف، قد خطّت فيه الدّموع أخاديد من الحزن والألم، وكان بكاؤها عنيفا لدرجة غياب صوتها إلا من حشرجات مؤلمة تخرج بين الحين والآخر، واهتزازات تحرّك الجزء الأعلى من جسدها بين لحظة وأخرى بشكل لا إرادي، وفي هذا الخضم الهائل من الحزن، كان هو يلتزم الصّمت، مُغمض العينين، ملقيا بوجهه بين كفّيه، كان لا يراها، لكنه كان يسمع حشرجات الحزن التي يفرزها قلبها المسالم.
قالت له: لماذا كل هذا.. ماذا أصابك.. ماذا غيّرك؟
أولست أنا نفس الإنسانة التي قلت أنك تريد العيش معها كل العمر
– أو ليس هذا الخد هو نفسه الذي شبهته بالورد
– أو ليست هذه هي نفس العيون التي كنت تشبّهها بالبحر
– أو ليس هذا هو نفس الشّعر الذي كنت تشبّهه بالّليل –
أو ليست هذه هي نفس التفاصيل قبل زواجنا وبعده.. قل لي بربك.. ماذا جرى
– ماذا جرى.. لتحيل عيوني إلى ينابيع دموع لا تتوقف!
ماذا جرى لتحيل خدودي لأودية من الدموع!
ماذا جرى لتحيل شعري إلى باقة ورد اصطناعيّة ميّتة!
ماذا جرى لتحيل قلبي إلى مقبرة.. بعد أن كان حديقة!
أجبني: هل يمكن أن تتحول الحقائق إلى نقيضها تماما!
أرجوك أجبني..
ترمّدت نارا كانت تتأجّج في دواخله...
وارتخت عضلات وجهه..
وأطلق نفسا عميقا... بعيدا... حزينا.. ثم قال:
لا.. لا.. لم يتغير شيء.. صدقيني لا زلت أحبك كما كنت.. بل إنني أزداد حبا لك كل يوم..
لكنها ظروف الحياة.. وضغوطاتها.. ليس أكثر،
فقط يا عزيزتي أريدك أن تعرفي أن رومانسية أيام الملكة.. تختلف مع دوران عجلات الحياة.. فالارتباط الدائم.. والمواجهة المستمرة.. لابد أن تفرز اختلافات كثيرة.. اختلافات قد تؤدي إلى مثل ما حدث اليوم!! لكنها أبدا أبدا..لا يمكنها إلغاء الحب.. بل حتى لا يمكنها تقليصه... وأنت كنت ولا زلت وستظلّين كل أشياء حياتي،
سامحيني.. أرجوك
ابتسمت بحبور.. وكفكفت دموعها.. وألقت برأسها على صدره.. وقالت: لقد سامحتك!
وانطلقا معا من جديد.. يرسمان ويعيشان لحظات فرح كثيرة..
.. يتبعها.. اختلاف..ودموع.. وتسامح.. وأمل.. وسعادة.