البعض إحساسه عالي جداً ويعبر عن مشاعره بموهبته الخاصة، حسب تنوع المواهب وتجسيد ما يميزها، فمثلاً الفنان التشكيلي بالريشة والشاعر بالحرف.. الخ.
والإحساس العالي يهبه الله لمن يشاء، فمثلاً الشاعر بشار بن برد كان أعمى ولكنه حاد الذكاء، دقيق الوصف يقول:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحياناً
وأصبح هذا البيت من الشعر يتمثل به الكثير من الناس في استشهاداتهم الخاصة أو في توثيقهم الأدبي في دراساتهم وبحوثهم، فجانب إقبال الشاعر على الحياة وتجدده وقوة شخصيته وثقته بنفسه، أمر يستحق الإشادة (مع تحفظي على جوانب أخرى في شخص الشاعر بشار بن برد وتوجهاته).
كذلك الشاعر الكبير عمر أبو ريشة الذي أبت شفافيته إلاَّ أن تُعانق إعجاب كل منصف ورفيع ذائقة، فلم يقل في قرارة نفسه إنني مدير لدار الكتب الوطنية وسفير لبلدي طوال عشرين عاماً في البرازيل والأرجنتين، وبالتالي فإن (برستيجي) يجعلني أظهر فقط من شعري ما يقدمني كسيِّد الموقف العاطفي فقط، بل أخذنا لأصغر تفاصيله حتى وهو غير المرغوب فيه من الطرف الآخر:
قالت مللتك اذهب لست نادمة
على فراقك إن الحب ليس لنا
ما دعاني للاستشهاد ببعض هذه النماذج من الشعر هو تحفّظ بعض الشعراء الشعبيين على نصوص جميلة، لا يفضلون أن تكون (متاحة للجميع في النشر)، فأي (وهم) هذا الذي جعل (المظاهر) تمتد حتى للمشاعر الرقيقة، وفي المقابل هناك من كبار الشعراء (لثقتهم الكبيرة في أنفسهم)، من قدّم لنا أبياتا ترتقي بنا وتأخذنا عالياً حتى لو بلغ (التوجّس) والألم مداه، فيقول الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن:
كانها الفرقا طلبتك حاجتين
لا تعلّمني ولا تكذب عليّْ
ويقول الأمير سعود بن بندر -رحمه الله- مسلطا الضوء على أصغر تفاصيل العاطفة في حواره مع الطرف الآخر، بلغة بوح مؤثرة:
وش سعادتنا عشان أندم عليها؟
يوم أوازنها بتشكيك وملامه
لهذا كانت قصائده من (القلب للقلب)، فالشعر الصادق كالجرح الذي يبقى وقعه عند المتذوق لشفافية شاعره، وليس جرحا موضعيا في الجسد يخضع (لعمليات التجميل)، وقد يكون منعطف الألم في حياة الشاعر أجمل ما يكتبه - إن صدق - أما على صعيد الحياة فكما يقول المثل (أحلك الساعات تلك التي تسبق الفجر).
The darkest hour is that before the dawn