المشاعر المقدسة - محمد العيدروس / عدسة - سليمان وهيب:
رسمت الحاجة الهندية بهية الرحمن لوحة وفاء جميلة ونادرة تجاه زوجها المعاق عاصف؛ إذ تكفلت بجميع النواحي المادية للرحلة نحو المشاعر المقدسة من (تحويشة عمرها).
تقول بهية التي تجاوزت الستين من عمرها: راودني حلم الحج طويلاً، إلا أن ظروفي المادية والأسرية لم تكن لتسمح، وتكالبت الظروف حينما أصبح زوجي مقعداً تماماً، ولا يقوى على الحركة إطلاقاً، بل يحتاج إلى من يرافقه في كل خطواته حتى إلى دورة المياه.
وتضيف: حتى زوجي نفسه كان يشعر بالإحباط، وألغى مشروع الحلم من قاموسه. ولكن مع ذلك كان شعوراً غريباً ينتابني أننا سنؤدي الفريضة في وقت ما!!!
مرت السنون سريعاً..
وتوافر لدينا مبلغٌ من المال، كما أسهمت جاراتي في مساعدتي، وبدأت ملامح الحلم الكبير تقترب شيئاً فشيئاً..
قال لي زوجي: حتى لو توافرت تكلفة الحج فمن سيتولاني؟.. من سينقلني؟.. من سيرعاني؟!! ها أنا كما ترين مقعد وعالة على من حولي.
منحني ربي قوة وحماسة، وقلت له: لا تقلق، نحن سنذهب للحرمين الشريفين، وإلى أرض الإسلام ومهبط الوحي، والناس هناك طيبون، وسيأخذون بأيدينا، بل سيتعاطفون معنا.
أخذت الحاجة مكاناً للجلوس بجواري.. وبقيت عيناها على الكرسي المتحرك لزوجها، وقالت: لا نتخيل حتى الآن كيف يسَّر الله الأمور ووصلنا إلى المشاعر المقدسة. لا أتصور مشاعر الرحمة والإنسانية التي أحاطني بها الناس في بلادكم، وحرص الصغير قبل الكبير على فسح الطريق لنا خلال تنقلاتنا، ومساعدتي في دفع زوجي بعربته أينما كنت..
لم أصدق ذلك الكرسي الحديث الذي قدم لي لحظة وصولي مطار الملك عبد العزيز بجدة ليكون مساعدة.
تركتُ السيدة بهية الرحمن مع تزايد الازدحام في أحد شوارع مشعر منى الداخلية، وودعتها وهي تقول: ادعوا لي ولزوجي، وقد أعود مجدداً لكم لو أطال الله في عمرَيْنا.