شد انتباهي سؤال صحفي طرحه محرر زاوية «خمسون» في مجلة اليمامة. يقول السؤال: يشتكي بعض الصحفيين المخضرمين من أن صحافتنا تعاني من غياب الضوابط المهنية للصحافة الحقيقية، حتى قالوا إنها (مهنة من لا مهنة له).
وإن كنت لست من زمرة الصحفيين المخضرمين، لكني اتفق معهم في مقولتهم: إن الصحافة تغيب الضوابط المهنية وإن البعض ينظر إليها بأنها مهنة من لا مهنة له، ويحدث ذلك في وقتنا الراهن.
ولأن أغلب الصحفيين حين عبروا بوابة الصحافة عبروها كهاوين لها، وليس كمتخصصين بها أو دارسين لها، دلفوا برغبة تتملكهم لتحقيق شيء ما، حتى تمرسوا فيها وكان لهم ما أرادوا فشُيدت على أكتافهم الصحافة دون أن يكون للدراسة المتخصصة سبيل لها، إلا لدى قلة من رجالها.
وربما أن هذا أحد أهم الأسباب التي خولت أؤلئك المخضرمين لإطلاق ذلك القول، أن الصحافة مهنة من لا مهنة له، ولأن الساحة الصحفية رغم قطعها شوطاً كبيراً منذ مشوار التأسيس وحتى الآن، إلا أنها لم تضع الضوابط والشروط لاستقبال المتقدمين لها، فما زالت تستقبل الهواة وغيرهم، دون الالتفات لمهاراتهم الصحفية (إن وجدت لهم مهارة صحفية)، ودون النظر لدراستهم (إن تخصصوا فيها) وإن بدا تركيز مسألة الدراسة على الرجال أكثر منها للنساء، ذلك أن الكليات والجامعات افتتحت أقسامها الإعلامية للبنين من دون البنات.
وبحسب علمي أن الضابط الوحيد الذي ترتكز عليه الساحة الصحفية في استقبال المتقدمين لها وضعهم تحت التجربة لمدة أشهر معدودة، ومن ثم يتخذ قرار استمرارهم أو تسريحهم (وكثيراً ما يؤخذ بالقرار الثاني الاستمرار)، وهذا في نظري من أولويات الأسباب التي وضعت الصحافة بصورة من لا مهنة له، لأنها لم تحدد ضوابط وشروطاً تحد من عدد المتقدمين لها، وتجلو تلك النظرة عنها المسلطة عليها.
لم تؤسس الصحافة قاعدة يرسو عليها الصحفيون، ولم تضع خطوطاً عريضة يستقيم على متنها القلم الصحافي الناشئ، فالصحفي قد يولد صحفياً بحسه الصحفي ويخوض تجارب عديدة ليغدو متمرساً في مهنته، فيشتد عوده الصحفي بالتجارب والممارسات التي تصقل قلمه وتنمي حسه الصحفي، حتى يصل إلى ما يصبو إليه.
لذا اتفقت ضمناً مع تلك المقولة، أن الصحافة مهنة من لا مهنة له، وهي للصواب أقرب من احتمال الخطأ، ونستنبط من الحديث أن الولوج إلى الساحة الصحفية كمهنة أقل صعوبة من طرق أبواب كثيرة بحثاً عن مهنة، فالباب الذي قد يطرق طلباً لمهنة ما يطالب الطارق بأمور عديدة أهمها التخصص والخبرة التي تخوله للحصول على تلك الوظيفة، فيما الصحافة لا تطلب سوى خوض غمار تجربة لمدة أشهر.
وعلى هذا الأساس اعتبرت الصحافة مهنة لمن لا مهنة له، إذ تأكد للجميع بأن الساحة الصحفية تفتح أبوابها على مصراعيها للمتمرسين صحفياً وللهاويين وغيرهم، خصوصاً في مجال الأخبار والتغطيات الصحفية، غير أن الوالجين من دون حماس صحفي تدفعهم لخوض المجال، لا يطول أمد بقائهم في الساحة الصحفية فينسلون من بوادرها الأولى. فيما يصبر على (بردها وحرها) هاووها، لأنهم يدركون تمام الإدراك معنى أن يطلق على الصحافة لقب (مهنة البحث عن المتاعب).