لا تزال أنظار العالم تراقب الاثنين واشنطن حيث لم يبق أمام الرئيس باراك أوباما وأعضاء الكونغرس سوى أربعة أيام لإيجاد تسوية حول الميزانية تبدد مخاطر تعثر الولايات المتحدة عن سداد مستحقاتها لأول مرة في تاريخها.
وحذّرت الخزانة الأمريكية من أنها لن تتمكن من الاقتراض وقد لا تتمكن عندها من الايفاء بجميع مدفوعاتها، في حين يكفي أن يصوّت الكونغرس على قانون يقتصر على صفحة ترفع ما يسميه الأمريكيون «سقف الديون».
من جهته حذّر حاكم البنك المركزي الفرنسي كريستيان نواييه من عواقب تعثر الولايات المتحدة في سداد مستحقاتها، مشيرًا إلى أن ذلك سيثير بلبلة بالغة الشدة في جميع الأسواق الماليَّة في العالم. وقال نواييه في مقابلة نشرتها صحيفة لوفيغارو الاثنين «في حال واجهنا.. حادثًا بشأن الدين الأمريكي، فسيكون لذلك كما قال صندوق النقد الدولي وقع الصاعقة في الأسواق المالية، (وسيثير) بلبلة عالميَّة بالغة العنف والعمق».
وأوضح نواييه أن بيان مجموعة العشرين التي اجتمعت في نهاية الأسبوع الماضي في واشنطن ودعت الولايات المتحدة إلى العمل للخروج من المأزق، تمَّت صياغته بحيث «يجعل الرأي العام الأمريكي يدرك العواقب الطائلة الكامنة في هذا النوع من العرقلة».
ومع اقتراب الموعد الحاسم أبدت الأسواق توترًا وفتحت البورصات الأوروبيَّة الثلاث (فرانكفورت وباريس ولندن) صباح الاثنين على انخفاض. ويتوقف مصير الدولار، عملة الاحتياط في العالم، ومصير سندات الخزينة التي تعتبر الاستثمار الأكثر أمانًا في العالم، على المحادثات التي تجري منذ السبت بين بعض نوَّاب الكونغرس وخصوصًا مجلس الشيوخ، حيث ما زالت المفاوضات التي بدأت السبت بين الجمهوريين والديموقراطيين غير مثمرة حتَّى الآن.
والجميع مدرك أن تعثرًا في السداد سيكون بمثابة كارثة على البلاد غير أن الجمهوريين مصممون على اغتنام هذا الاستحقاق من أجل إجراء إصلاحات في الميزانية وتحديدًا في نظام التقاعد وبرامج الضمان الصحي لما فوق الخامسة والستين من العمر والأكثر فقرًا ومنها برنامجا ميديكير وميديكايد، التي تستهلك 43 في المئة من الميزانية الفدرالية. لكن أوباما يرفض التفاوض تحت الضغط متهما خصومه باللا مسـؤولية. ويرد الجمهوريون أن بفضل مثل هذه الإستراتيجية تعين على بيل كلينتون الموافقة على تسويات مالية، ثمَّ أوباما نفسه في آب - أغسطس 2011 القبول بجدولة اقتطاعات سنوية في الميزانية حتَّى العام 2021.
وقال زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ هاري ريد الذي اختاره حزبه ليترأس المفاوضات من جانبهم الأحد «أجرينا مناقشات جوهرية وسنواصل هذه المناقشات»، مضيفًا «أنني متفائل حول فرص التَّوصُّل إلى نتيجة إيجابيَّة».
ويحاول أعضاء الكونغرس إيجاد حل لمشكلتين في آن وهما رفع سقف الدين وإقرار قانون ميزانية يغطي نفقات الوكالات الفدرالية المعطلة منذ الأول من تشرين الأول - أكتوبر بسبب خلافات في وجهات النظر بين الجمهوريين والديموقراطيين.
وانتقلت المبادرة إلى مجلس الشيوخ بعدما أبدي أعضاء جمهوريون فيه استياءهم من تعثر الحوار بين زملائهم في مجلس النوَّاب الذين عجزوا عن التَّوصُّل إلى اتفاق مع أوباما الأسبوع الماضي.
وفي مطلق الاحوال، سيترتب على مجلس النوَّاب الموافقة على أيّ تسوية يتوصل إليها مجلس الشيوخ. وقال السناتور الجمهوري روب كوركر: «ما سنرسله، في حال ارسلنا أيّ شيء، قد لا يكون مطابقًا تمامًا لما يريده مجلس النوَّاب وقد قد يعود الينا بالتالي». وسقف الدين هو «خط ائتمان» أقصى يمنحه الكونغرس منذ 1917 للسلطة التنفيذية التي لا يمكنها في أيّ من الأحوال تخطيه. غير أن الدَّوْلة الفدرالية تواجه عجزًا بلغ 3.9 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي عام 2013 وهي مضطرة إلى مواصلة الاقتراض لتجديد دينها وتمويل نفقاتها، سواء لدفع استحقاقات سندات الخزينة أو معاشات التقاعد. ولا أحد يعرف بالتحديد متى لا يعود بوسع الخزانة تأمين كل مدفوعاتها غير أن هذا قد يحصل في أيّ وقت بعد انقضاء استحقاق 17 تشرين الأول - أكتوبر وقدر مكتب الميزانية في الكونغرس أن يحصل بين 22 و31 تشرين الأول - اكتوبر. ويبقى أن تعثرًا ولو جزئيًّا لأول اقتصاد في العالم سيولد فوضى دوليَّة يصعب التكهن بعواقبها ويراقب المسؤولون بقلق في العالم بأسره من الصين إلى أوروبا اختبار القوة الجاري في الولايات المتحدة.
وحذّرت كريستين لاغارد المديرة العامَّة لصندوق النقد الدولي الأحد أن العواقب ستتخطى ما نتج عن الأزمة الماليَّة عام 2008م، في حديث أجرته معها شبكة ان بي سي الأمريكية.
من جهتها تتوقع منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديَّة عودة الانكماش إلى الدول المتطورة في 2014م.