من يملك ذاكرة جيدة للأحداث السياسية الإيرانية خلال العقدين الأخيرين، أو لديه الوقت للبحث الإلكتروني عن تلك الأحداث، ربما يمكنه المقارنة بين التوتر الدبلوماسي واللغط الإعلامي والجدل السياسي، الذي كان يصاحب زيارات الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد إلى نيويورك للمشاركة في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي كان آخرها الجلسة التي عقدت في 25 سبتمبر 2012م وكيف أزعج الأميركيين والإسرائيليين بتصريحاته، خاصةً قوله إن إسرائيل ليس لها جذور وسوف تزول، مقارنةً بالزيارة التي قام بها الدكتور حسن روحاني الرئيس الإيراني الحالي للمشاركة في جلسة جمعية الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي. حيث تجاوز في كلمته اللغة الاستفزازية التي كان يتحدث بها نجاد، وأعلن مبادرة لكل العالم لنبذ العنف والتطرف، فضلاً عن حواراته الصحافية قبل تسلم الرئاسة وبعدها، التي أرسل خلالها رسائل تطمين للمجتمع الدولي بخصوص السياسة الإيرانية.
قدمت هذه المقارنة المقتضبة تمهيداً للحديث عن طور جديد بدأ يتشكل بالنسبة للعلاقات الإيرانية الأميركية، ُتوج بالمكالمة الهاتفية، التي جرت بين روحاني وأوباما قبل مغادرة الأول الأراضي الأميركية، وهي المكالمة التي وصفها الكاتب السياسي ومدير قناة (العربية) الإخبارية عبد الرحمن الراشد بـ(المكالمة التي هزت العالم)، وهو وصف مبالغ فيه نوعاً ما، إنما هو إعلان لتلك العلاقات، قياساً بالعلاقة المستترة التي ولدت بين الإيرانيين والأميركيين عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر العام 2001م، وتحديداً بعد الإعلان الأميركي الشهير عن (الحرب على الإرهاب) في عهد بوش الابن، حيث لم تخرج إيران عن الإجماع (الغربي)، بل شاركت في تلك الحرب بطريقة غير مباشرة، رغم أنها بدأت من أرض أفغانستان المحاذية لحدودها تماماً، ما يشكل في الواقع تهديداً لأمنها القومي، وقد تمثلت تلك المشاركة بالسماح للطائرات الأميركية الحربية بالمرور عبر الأجواء الإيرانية لقصف مواقع حركة (الطالبان)، رغم الشعارات التي كان ولازال يرددها الحرس الثوري الإيراني إلى اليوم (الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل).
ثم كان الوفاق الأهم في العراق بين الإيرانيين والأمريكان، فجميع معارضي صدام حسين من الطائفة الشيعية كانوا في ضيافة الإيرانيين، وبعد سقوط نظام صدام في أبريل عام 2003م، قدموا إلى العراق على ظهر الدبابة الأميركية، وهنا لك أن تتساءل ما طبيعة هذه العلاقة التي تجمع المعارضين العراقيين مع الإيرانيين ومع الأمريكان في نفس الوقت؟. إلا أن تكون المصالح واحدة والأهداف محددة. وهذا ما اتضح لاحقاً. بأن أميركا قدمت العراق لإيران على طبق من ذهب.
لذلك من يتمعن في سياق الأحداث الأخيرة في تحولات العلاقات الأميركية الإيرانية، وما يصحبها من تصريحات ولقاءات بين مسؤولي الطرفين يثق بأننا أمام مرحلة جديدة من توافق المشروعين الصفوي والأميركي في المنطقة العربية، فعلاوة على الترحيب الغربي وبالذات الأميركي بانتخاب روحاني، فلأول مرة ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979م يُصرح أرفع مسؤول أميركي وهو الرئيس، بأن أميركا لا تسعى إلى تغيير النظام الإيراني، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، عندما قال :إن الولايات المتحدة الأميركية لا ترغب في تغيير النظام في إيران. زد على ذلك اللقاء الذي جمع وزيري خارجية البلدين أميركا وإيران. ثم جاءت تلك المكالمة، التي كشفت العلاقة الخفية، وبتقديري أنها دشنت مرحلة مهمة وخطيرة من العلاقات بين البلدين وبمشاركة دولة الكيان الصهيوني، في ظل غياب كامل للعرب والخليج تحديداً، الذين أصبحوا يواجهون في منطقتهم ثلاث مشاريع سياسية كبرى ذات نزعة استعمارية، الصفوي، والأميركي، والصهيوني.
لهذا فبرأيي أن الذين تصالحوا في أفغانستان عام 2001م، ثم اتفقوا في العراق عام 2003م، لن يختلفوا في سوريا عام 2013م، لسبب رئيس يعطي لسوريا أهمية أكبر من العراق وأفغانستان بالنسبة للإيرانيين والأمريكان على حدٍ سواء، فسوريا عند الإيرانيين هي (المحور الاستراتيجي) لمشروعهم الصفوي، وهذا ما عبّر عنه القادة الإيرانيين بأن دمشق مثل طهران، بدلالة أن إيران رمت بثقلها في الحرب الدائرة على الأراضي السورية لصالح بشار الأسد ضد الثورة الشعبية، فدعمت الأسد بالمال والسلاح والاستخبارات والمقاتلين بشكل علني. في المقابل تمثل سوريا للأمريكان الـتأمين الحقيقي لأمن إسرائيل، فمنذ أكثر من 40 عاماً لم ُتطلق رصاصة واحدة من الأراضي السورية ضد الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. ويبدو أن هذا ما جعل الإدارة الأميركية غير متحمسة لسقوط الأسد مالم يتوفر نظام بديل يحقق أمن إسرائيل. بدلالة أن هذه الإدارة أكدت بشكل واضح أن العمل العسكري ضد قوات الأسد سيكون محدد وسريع وليس لإسقاط النظام، وذلك على خلفية استخدامه للسلاح الكيماوي، ويتوقع أن يتم إلغاء هذا العمل العسكري المحدود عقب قبول الأسد إخضاع السلاح الكيماوي للإرادة الدولية.