رئيس تحرير جريدة الجزيرة.. السلام عليكم، اطلعت على ما كتبه د. جاسر الحربش في الجزيرة بتاريخ 17-11-1434هـ بعنوان (هواش المشايخ مع بعض).. وقد أعجبني عتبه على المشايخ المتخاصمين، وأنهم دائماً يبشروننا في أحاديثهم بالتسامح والعفو والصفح، فلماذا لا يطبقونه على أنفسهم!؟! فإن كان ذلك كذلك بينهم بشكل مطرد فأنا أشاطرك العتب عليهم!! أما إن كانت حادثة عين لوحدها، فهذه لها ملابساتها وأبعادها ومغازيها ومراميها!! والعبرة بإحصائية المحاكم عن عدد حالات التسامح في قضايا المشاجرات المسجلة رسمياً في المحاكم، بين المشايخ وغيرهم!! والإحصائية لا ترحم ولا تحابي.. لكن الذي استغربته من د. جاسر هو وصفه للكتاب بأنهم هم المثقفون لوحدهم، حيث يوهم القارئ أن المثقف هو الكاتب فحسب، أما الشيخ فليس مثقفاً، حيث يقول (لو كانت الهوشه بين مثقف وشيخ! وهكذا) والواو هنا تقتضي المغايرة، فهل الثقافة حصر على الكتاب!!؟ (مالكم كيف تحكمون) ؟! إنني أربأ بأخي د. جاسر عن هذا الغمز والهمز واللمز فهو أسمى من ذلك.
إن الثقافة يا د. جاسر هي الأخذ من كل فن بطرف. وغالب المشايخ والعلماء بحمد الله كذلك، ولنأخذ مثلاً الإمام الشعبي رحمه الله، كمثال في سعة اطلاعه، وغزارة ثقافته، ففي مجال الشعر لوحده يقول: أحفظ أكثر من 30 ألف بيت من الشعر، ولو حدثتكم لمدة شهر كامل من الشعر ما توقفت برهة، وما أعدت بيتاً واحداً!! فما هي هذه الثقافة التي تحاول أن تنفيها عن المشايخ وتثبتها للكتاب؟ هل هي القصص والروايات أم ماذا؟ يقول الإمام ابن حجر رضي الله عنه : يكفي المتنبي فخرا أن له خمسمائة بيت من عيون الشعر يرددها الملوك والرؤساء، إن الثقافة العامة يا أخي الكريم لدى المشايخ الشرعيين الحقيقيين هي جزء من ثروتهم العلمية، والعالم الشرعي لا يسمى عالماً مجتهداً إلا إذا حفظ النصوص والمتون، واللغة العربية، والشعر، وكان عارفاً بأحوال السلم والحرب، ولقد كان شيخ الإسلام رحمه الله يفوق أرباب الفنون بتخصصاتهم ويفحمهم فيها، دينية كانت، أو عربية، أو طبية ،أو سياسية، حتى قيل انه أعلم بكل فن من علمائه وأساطينه!! أما الشيخ المنغلق على نفسه، الذي لا يعد علمه أرنبة أنفه، فليس علينا في الأميين سبيل! ويكفي الشرعيين فخر أن الله تولى رفعتهم كما قال سبحانه {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} فيا أخي جاسر (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).. بل العلماء يرون أن العزوف عن العلم الشرعي إلى الأدب والسياسة زراية في العالم، ومنقصة عليه!! كما قال الشافعي رحمه الله وهو صاحب الدواوين الشعرية:
(ولولا الشعر في العلماء يزري
لكنت اليوم أشعر من لبيد)
أسأل الله أن يهديني الله وإياك للتي هي أقوم.. والسلام عليكم.