لعب الفنان الكبير وديع الصافي دوراً رائداً في ترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنه، قبل وفاته ليلة أمس الأول (الجمعة) عن 92 عاماً، وبعد أن أسهم في نشر الأغنية اللبنانية في أكثر من بلد، وأصبح مدرسة في الغناء والتلحين، ليس في لبنان فقط، بل في العالم العربي أيضاً، وسادت الساحة الفنية العربية بأكملها حالة من الحزن لرحيل الصافي. ورحل وديع فرنسيس الشهير بوديع الصافي صاحب أغنية «لبنان يا قطعة سما» ومضى عملاق الأغنية اللبنانية تاركاً مئات الأعمال التي طبعت في ذاكرة أجيال من اللبنانيين.
ويعتبر الصافي من عمالقة الطرب في لبنان والعالم العربي واشتهر بترسيخ قواعد الأغنية اللبنانية في الكثير من البلدان العربية والعالمية واقترن اسمه بجبال لبنان، وأضحى مدرسة في الغناء والتلحين. ولد في الأول من نوفمبر عام 1921 في قرية نيحا الشوف، وجاء إلى بيروت عندما كان في سن العاشرة وهو الابن الثاني في ترتيب العائلة التي تضم ثمانية أبناء. عاش طفولة متواضعة يغلب عليها طابع الفقر والحرمان. كانت انطلاقته الفنية سنة 1938 حين فاز بالمرتبة الأولى لحناً وغناء وعزفاً من بين أربعين متبارياً في مباراة للإذاعة اللبنانية أيام الانتداب الفرنسي في أغنية «يا مرسل النغم الحنون» للشاعر نعمة الله حبيقة. واتفقت لجنة التحكيم في حينه على اختيار اسم «وديع الصافي» كاسم فني له نظراً لصفاء صوته، وكانت إذاعة الشرق الأدنى بمثابة معهد موسيقي تتلمذ وديع فيه.
بدأت مسيرته الفنية بشق طريق للأغنية اللبنانية التي كانت ترتسم ملامحها مع بعض المحاولات الخجولة قبل الصافي عن طريق إبراز هويتها وتركيزها على مواضيع لبنانية وحياتية ومعيشية. في أواخر الخمسينات بدأ العمل المشترك بين العديد من الموسيقيين من أجل نهضة الأغنية اللبنانية انطلاقاً من أصولها الفولكلورية من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعت وديع الصافي وفيلمون وهبي والأخوين رحباني وزكي ناصيف وغيرهم، فشارك في مسرحيات العرس في القرية وموسم العز وشكل ثنائياً غنائياً ناجحاً مع المطربة صباح في العديد من الأغاني والاسكتشات.
شارك الصافي في أكثر من فيلم سينمائي من بينها «الخمسة جنيه» من إخراج حسن حلمي، وفيلم «موال» و»نار الشوق» مع صباح في عام 1973 مع بداية الحرب اللبنانية غادر وديع لبنان إلى مصر سنة 1976 ومن ثم إلى بريطانيا ليستقر سنة 1978 في باريس.. ويحمل الصافي ثلاث جنسيات المصرية والفرنسية والبرازيلية إلى جانب جنسيته اللبنانية إلا أنه يفتخر بلبنانيته ويردد أن الأيام علمته بأن «ما أعز من الولد إلا البلد». غنى للعديد من الشعراء خاصة أسعد السبعلي وللعديد من الملحنين أشهرهم الأخوان رحباني وزكي ناصيف وفيلمون وهبي وعفيف رضوان ومحمد عبدالوهاب وفريد الاطرش ورياض البندك، لكنه كان يفضل أن يلحن أغانيه بنفسه لأنه كان الأدرى بصوته ولأنه كان يدخل المواويل في أغانيه حتى أصبح مدرسة يحتذى بها. غنى أكثر من خمسة آلاف أغنية وقصيدة لحن معظمها، ومنها أغنية «طل الصباح وزقزق العصفور» التي كانت أولى أغانيه عندما هاجر لمدة ثلاث سنوات إلى البرازيل في عام 1947، وعندما عاد كرت سبحة الأغاني فكان أبرزها «لبنان يا قطعة سما» و»صرخة بطل» و»الليل يا ليلى يعاتبني» و»شاب الهوى وشبنا» و «مريت ع الدار» و»لوين يا مروان» و»عصفورة النهرين» و»الله يرضى عليك يا ابني» و»الله معك يا بيت صامد بالجنوب» و»موال يا مهاجرين ارجعوا». كما غنى «طلوا احبابنا» من ألحان الأخوين رحباني ومع فيروز ونصري شمس الدين غنى «سهرة حب» و»يا شقيق الروح»و «عندك بحرية» من ألحان محمد عبدالوهاب» و»على الله تعود على الله» من ألحان فريد الأطرش.
وكرمه أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية وحمل أكثر من وسام استحقاق منها خمسة أوسمة لبنانية نالها من خمسة رؤوساء للجمهورية، وفي سنة 1952 تزوج من ملفينا طانيوس فرنسيس إحدى قريباته فرزق بدنيا ومرلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.