الجزيرة - خاص:
كشفت دراسة حديثة عن وجود علاقة وثيقة بين ظاهرة العنف الأسري والظروف الاقتصادية والمعيشية كمسببات رئيسية لها، إلى جانب عوامل الانفتاح الإعلامي والتطور التكنولوجي التي تؤدي إلى التعرف على ثقافات جديدة قد تساهم في تنامي المشاكل العائلية وبالتالي تنامي ظاهرة العنف الأسري. وجاء في الدراسة التي أعدها الدكتور توفيق بن عبد العزيز السويلم مدير دار الخليج للبحوث والاستشارات الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية لرعاية الأسر السعودية في الخارج «أواصر»: إن المجتمع السعودي يعيش تغيرات متعددة نتيجة عوامل كثيرة أهمها الحياة الاقتصادية والانفتاح الكبير في الاعلام وتطور العلم والتعليم والتأثر بالعلوم الغربية، وتشير الدراسات والأبحاث الى أن ظاهرة العنف الأسري لا يسلم منها أي مجتمع على مر التاريخ ولا يسلم من هذا المأخذ أي مجتمع او أسرة لأن اختلاف وجهات النظر من طبيعة البشر ولكن تأثير هذه الصراعات أو العنف قد يخبو في مجتمع ويزيد في مجتمع آخر نتيجة عوامل مختلفة اغلبها اجتماعية لا يمكن للأسرة التحكم فيها بما يضمن وقف هذا العنف وعندما يخرج العنف عن سيطرة الاسرة يفسح المجال لأجهزة الضبط «الأمن غالبا» التدخل في شؤون الاسرة للتعامل مع هذه الظواهر التي قد يعجز ولي امر الاسرة عن السيطرة عليها نتيجة عوامل مختلفة «عاطفية، عجز، فقد ولي الأمر, مؤثرات أخرى» تجبر السلطة على التدخل لدرء الخطر وإصلاح الخلل، ذلك أن الشرع يحرم العنف عامة فكيف اذا كان محيط الاسرة يمثل مسرح العنف وميدانه. وأكدت الدراسة أن وسائل الإعلام محلية او اقليمية وعالمية تنقل لنا على مدار الساعة من المشاهد والقصص المخيفة عن العنف عامة والأسرة خاصة – وضحاياه من ابناء وآباء وأقارب – ما يولد التشاؤم بل الخوف من تنامي العنف في شتى صوره، طالب يقتل زملاءه أو يقتل أفراد أسرته، أم تقتل طفلها، ولد يقتل والديه، أليس هذه من ضعف الإيمان، واختفاء ضوابط الشرع من سلوك هؤلاء الذين يمارسون من الأعمال ما لا يقبله العقل السليم. كما تناولت الدراسة جانب الأسرة وأسباب العنف، حيث تمثل الأسرة نواة المجتمع وركيزته وهي لبنته الاولى، وأي خلل يفتك بمكونات هذه اللبنة يؤدي إلى تآكل البناء ومن ثم انهياره، فالعنف سلاح فتاك يتطور فيه الأداء القاتل وتحدث فيه أساليب القتل وعدم التصدي لهذا السلاح يعني انهيار الأسرة والمجتمع معاً، ولفتت الدراسة إلى أنالحل هو تضافر الجهود لتقصي أسباب هذا الخلل ثم العمل على اجتثاثه أو على الأقل جعله تحت السيطرة الأمنية والاجتماعية طلبا لسلامة الاسرة التي هي نواة المجتمع اولا ثم تماسك المجتمع الذي يمثل اعمدة الكيان الكبيرة.
وفيما يتعلق بأسباب العنف بينت الدراسة أن هناك أسبابا كثيرة تقف وراءه منها: «أسباب نفسية، اجتماعية، عقلية، توتر، وقلق, وأسباب اقتصادية ، ثقافية، تعليمية، دينية، مذهبية، تكوين إجرامي، مؤثر اجتماعي، محاكاة الآخرين في المظهر والسلوك، انحراف في التربية والسلوك الاجتماعي، فقر وعوز، مخدرات ومسكرات، عادات ضارة، ثأر وغسل عار، حقد وكراهية ، تسلط، عجز ... الخ»، حيث تعمل هذه المؤثرات والأسباب مجتمعة أو فرادى على تكوين عقلية المجرم وخلق خلايا إجرامية تتخذ من العنف وسيلة لتحقيق رغباتها فتدفع الاسرة الثمن لأن المجرم فرد منها ويتحمل المجتمع الضرر لأن الأسرة إحدى لبناته. أما معظم ضحايا العنف الأسري فهم من الأسرة ذاتها معتدى عليه نتيجة تسلط القوي على الضعيف غالبا في حلقة الهرم الاجتماعي، كبر أو صغر سن ، ضعف أو خوف، ومع الاعتراف القسري بهذه المواجع فإن التمسك بالشرع وتنفيذ النظام لهما الأثر الفاعل بعد الله في وقف العنف عامة والحد من ضرر العنف الاسري بصورة خاصة. كما تضمنت الدراسة طرق التعامل مع مشكلات العنف الأسري بدءا من داخل الاسرة الصغيرة من خلال التنشئة الاسرية وتكوين عادات الضبط الداخلي وليس من خلال قوى ضبط خارجية. وعرفت الدراسة ظاهرة العنف الأسري بأنه عند تحول المجتمع من القرى والأرياف والبادية الى حياة المدينة تبرز ظاهرة العنف الاسري والعادة العصبية الشديدة والعنف متلازمان كالتوأم في العلاقات الزوجية فليس هناك عنف بدون عصبية وعادة العصبية تؤدي للعنف في شكليه النفسي والبدني، لهذا فالعصبية او الغضب نستطيع تعريفها من خلال تلك النوعية من العلاقات الزوجية التي يثور فيه الزوج لأدنى الاسباب وخلال فترة ثورته يمكن ان يتلفظ بألفاظ جارحة كالسب واللعن والشتم والتحقير او يقوم بأفعال مؤذية كالضرب او الصفع باليد او الركل، وفي بعض الحالات يدخل الزوج في نوبة غضب لا شعورية حيث يتوق العقل عن التفكير ولا يرى امامه سوى الغضب الشديد فيوجهه نحو الآخرين حيث تكون الضحية الزوج أو الأولاد. في هذه النوعية من العلاقات تكون الزوجة في حال خوف مستمر وقلق وترقب من دخول الزوج بنوبة غضب شديدة او مفاجئة، ولهذا تكون الزوجة في محاولة مستمرة لإرضائه وتشعر وكأنها تمشي في ارض ملغومة.
قد يثور الشخص لأدنى الأسباب
وحول مفهوم العنف الأسري أشارت الدراسة إلى أن قلة الرفق والتعنيف أي التقريع واللوم والعنف كاستخدام الضغط أو القوة استخداما غير مشروع من شأنه التأثير على إرادة فرد ما، في حين تتمثل الحالات الفئوية الأكثر عرضة للعنف الأسري بحسب كثير من الدراسات افي الفئات الأقل قدرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة العنف وتشمل: الاطفال بشكل عام والنساء والمسنين والعجزة والمعاقين والفئات الخاصة، حيث يلحظ على جميع هذه الفئات الهشاشة وعدم القدرة على صد العنف أو مواجهته مما يجعلهم ضحية أو فريسة محتملة للعنف. وفيما يتعلق بصفات الحياة الزوجية المعرضة لإساءة المعاملة العاطفية، تشير كثير من الدراسات إلى أن هناك سمات للحياة الزوجية المعرضة للإساءة العاطفية ولمعرفة ذلك ينبغي على الزوج والزوجة البحث عن إجابة لهذه التساؤلات التي تعد مؤشرات لإساءة المعاملة العاطفية داخل الأسرة: هل تشعر أو تشعرين أنك لا تستطيع أن تناقشي ما الذي يزعجك؟، هل يقوم الطرف الآخر بتوجيه نقد دائم أو إذلال أو إضعاف لاعتبار الذات لديك؟، هل الطرف الآخر في الحياة الزوجية يسخر من شخصيتك؟، هل الطرف الآخر يحاول عزلك عن الأهل والرفاق والأصدقاء؟، هل الطرف الآخر يحد من مصادرك المالية او يمنعك من العمل؟، فإذا كانت الاجابات في أغلبها بالإيجاب فالشخص يتعرض للعنف الأسري.
لماذا يتعايش بعض الناس مع ظاهرة العنف الأسري؟
ولفتت الدراسة إلى أن كثيرا من الأشخاص يجدون أنفسهم أفرادا في أسرة يقع فيها العنف الأسري بشكل أو بآخر وباستمرار، ومع ذلك فإنهم يجدون أنفسهم مضطرين أو مجبرين على البقاء والاستمرار في بيئة العنف، وذلك لأسباب عدة وهي عدم القدرة على اتخاذ قرار الابتعاد عن بيئة العنف ويتجلى ذلك في الأطفال الصغار والرغبة في تعديل سلوك العضو المتسبب في العنف وبذل المحاولات لمعالجة العنف والعمل على إيقافه والتخلص منه، ودائما تكون هذه الرغبة صادرة من الأشخاص البالغين في الأسرة سواء كان الزوج او الزوجة أو الأولاد، كما أن المحافظة على كيان الأسرة وهويتها وحمايتها من التصدع الأسري وغالبا تكون هذه التضحية صادرة من الزوجة، وقد تكون من الزوج في بعض الأحيان وكذلك الرغبة في عدم ترك الأطفال وحدهم مع الشخص المرتكب للعنف مثال ذلك عندما تضطر الزوجة الى التعايش مع الزوج المرتكب للعنف ضدها بشكل متكرر وذلك من اجل اطفالها الصغار اذا كانت لا تستطيع المغادرة بهم وعدم وجود حماية ونقص الموارد والمصادر المجتمعية لمساعدة او حتى استضافة ضحايا العنف وعدم وجود اسرة او اقارب لمساعدة ضحايا العنف، كما أن عدم وجود موارد مالية تساعد ضحية العنف وتمكنه من الاستقلال بنفسه, أيضا الاعتماد عل الرجل بشكل كامل ويزداد هذا الاعتماد في المجتمع السعودي اذ إن المرأة تجد صعوبة بالغة في ممارسة الحياة بشكل طبيعي دون الاعتماد على رجل بغض النظر عن كون هذا الرجل زوجا او اخا او والدا, وكذلك الخوف من المجهول فقرار مغادرة الأسرة وهجرها نهائيا أو طلب الزوجه للطلاق يحمل مستقبلا جديدا للفرد وفي أحيان كثيرة يكون غير واضح المعالم، ولذلك فقد يفضل الشخص التعايش مع العنف الحاضر بدلا من مواجهة المستقبل المجهول.
طرق التعامل الأمثل مع ظاهرة العنف الأسري
وحول طرق التعامل مع مشكلات العنف الأسري، ذكرت الدراسة أن الوقاية من العنف الأسري لا تعني منع حدوث هذا العنف إذ لا يمكن القضاء بشكل شامل على العنف الأسري فالتعامل الانساني يفرز انماطا من السلوكيات المختلفة التي قد يكون بعضها شكلا من أشكال العنف الأسري ونقصد هنا بالوقاية من العنف كيفية التعامل الأمثل مع مشكلاته وليس القضاء على الظاهرة, ويندرج العنف الأسري تحت فئتين رئيسيتين هما الأفعال والألفاظ الجارحة، أما فيما يخص التعامل الأمثل مع مشكلات العنف الاسري، فينبغي تحليل مكونات الظاهرة وفق قاعدة الصفر المطلق إذ ينطلق العنف الاسري من المعادلة التالية:
العنف الأسري = تكرار حالة العنف الاسري× الطريقة التي يمارس بها العنف الاسري × الدرجة × عدد مرات ممارسة العنف الأسري × الشخصيات التي تمارسه × الموضوع × الظروف.
والمقصود بالظرف : السياق الذي حدث فيه العنف, فيما يعني العدد : عدد ا لاطراف المشاركة في العنف، أما التكرار فهو معدل تكرار حدوث العنف، أما الطريقة فهي طريقة التعبير عن العنف، أما المقصود بالشخصيات فهم الزوجان أو الأبناء أو الأبناء مع الابوين أو أحدهما، في حين يقصد بالموضوع المسألة التي يسببها حدوث العنف، فيما تعني الدرجة: مدى الشدة في التعبير عن العنف.
الطريقة المطلوبة لضبط هذه المكونات
وفيما يتصل بالوقاية من العنف الأسري، أشارت الدراسة إلى أنها تتم باستراتيجيتين: الأولى تتمثل في ضبط السلوك من خلال السيطرة على الغضب لكلا طرفي العلاقة وتوجيه التفكير صوب كيفية اصلاح شأن الزوج (الزوجة) والتغيير من انفعاله والإقناع بالحسنى واختيار الهدوء واتخاذ الإجراء المناسب البعيد تماما عن العنف بالكلية وغض الزوجة طرفها عن محاولة السيطرة على سلوك الزوج وتجاهلها لبعض سلوكياته، وكذلك احترام طرفي العلاقة لبعضهم بعضا من خلال تفهم القضايا التي تثير الحساسية والمشكلات بين الطرفين. فيما تتمثل الثانية في التزام أفراد الأسرة بمبدأ الحق والواجب من خلال المحافظة على الحقوق والواجبات المشتركة بين الزوجين كالعشرة بالمعروف، وتلبية الحاجة الفطرية، والاحترام المتبادل، وكذلك تفهم موقف الطرف الآخر, ومن حقوق الزوج على زوجته الطاعة فيما لا يغضب الله والقيام بواجباتها الزوجية والأسرية، أما حقوق الابناء على الوالدين فهي العدل بينهم في جميع الامور وتربيتهم تربية صالحة وإشباع حاجاتهم العضوية والنفسية، في حين تتمثل حقوق الوالدين على الابناء بالطاعة والدعاء لهما والإرث والنفقة والإحسان لهما وصلة ارحامهما, وكذلك اكرام صديقهما وإنفاذ عهدهما ووصيتهما.
وشددت الدراسة على أن العنف الاسري ظاهرة متعددة المكونات، وللوقاية منه لابد من أن يضبط افراد الأسرة سلوكهم صوب وجهة معينة هي التزام كل منهم بواجباته وحقوقه تجاه بقية الافراد وضبط السلوك صوب هذه الوجهة يكون من خلال الارادة والتصميم، مبينة أن مواجهة العنف تقوم على اساس تفهم الحوار السليم داخل الاسرة وضبط السلوك وهذه العمليات تحتاج الى تدريب ومهارة من قبل الشخص الممارس للعنف، لافتة إلى أن الحديث في هذا الجانب ليس عن الحالات المرضية التي تمارس العنف نتيجة معاناة نفسية أو ظروف اخرى، وإنما الحديث عن الحالات التي يحدث العنف فيها نتيجة الغضب وعدم القدرة على ضبط السلوك بحيث يشعر الشخص المعنف بالذنب بعد أن يقوم بسلوكه.