الحمد لله المتوحد بالبقاء، كتب على خلقه الفناء جعل لكل شيء ابتداء وانتهاء سبحانه وتعالى القائل في محكم كتابه الكريم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران، وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (26-27) سورة الرحمن، إيماناً بقضاء الله وقدره تلقيت خبر وفاة الشيخ - شافي بن عيسى بن مضحي الدوسري - عم الأستاذ الفاضل - شافي بن سالم بن عيسى بن مضحي الدوسري وكيل مدرسة ابن خلكان الابتدائية عبر جهاز متحرك يوم الأربعاء الماضي 12-11-1434هـ الموافق 17-9-2013م.
وقال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً}، وقوله تعالى: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} وأن هذا مصير كل إنسان في هذه الحياة لا بُدَّ من الرحيل مهما طال عمره وسار وجال على هذه الأرض المباركة لا بُدَّ من الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته - ولعل من قبيل الاحترام والتقدير والعرفان لهذا الجار الفاضل - صاحب السيرة الحسنة والخصال الحميدة بخُلقه وكرمه وتواضعه الجمّ إنني على يقين أن ما يكتب عنه لن يعطيه حقَّه بالقدر الكافي ولكنَّها مشاعر جالت بخاطري أوجبها حق الجار والوفاء أن أتحدث عنه ولو بجزء يسير عن بعض محاسنه وخصائصه وشخصيته التي تتصف بعدَّة خصال عاليَّة - فقد حدَّثني أخي الكريم - شافي بن سالم (أبو سالم) - وفقه الله - عن عَمه - يرحمه الله - وعيناه تذرفان دمعاً وحزناً قائلاً إنه عَمِّي.. أبو عيسى الذي احتوانا بحبه وحنانه وكرمه وعطفه فلامس شغاف قلوبنا وسكن مُهج الرّوح وأحسسنا معه بدفء الفؤاد يا بياض القمر ونور البصر إنَّه القضاء والقدر.. وقد رضينا بما قدّره ربّ العباد وربّ القضاء والقدر.. رحيلك عنا قدر من أقدار الله، فرحمك الله وأسكنك فسيح جناته يا أبا عيسى.
فإن المرء يعتز تمام الاعتزاز أن يسترسل الحديث عن هذا الشيخ الكريم - فقد رسم ذلك الإنسان لنفسه طريقاً في هذه الحياة وظلَّ يسير عليه على هدى وبصيرة لا يحيد عن ذلك الطريق أبداً، فالمرء الذي يصل إلى هذا المستوى من وضوح الرؤية وعمق الإحساس بالمسؤوليَّة يريح نفسه أولاً من التّذبذب والضّياع ومن الظّلم والاعتداء على الآخرين ويريح النَّاس من حوله، اشتهر صيته الطيب وسيرته الحسنة وسمعته الطيبة بين أوساط مجتمعه المتماسك والمترابط والمحافظ.
ومن مواقفه النبيلة حرصه الشديد على تواجد أفراد العائلة في حي واحد في ذلك الوقت، وقد نجح - رحمه الله - بحكم خبرته وحنكته ومكانته الاجتماعيَّة التي كانت محل احترام وتقدير من كافَّة أفراد العائلة الكريمة عامَّة إلى جانب دَعمه ومساهماته المالية بقدر إمكانياته المتاحة لديه - فقد تعلم أفراد الأسرة منه التّواضع والكرم والوفاء والنّبل وإنزال النَّاس منازلهم، وكذلك حرصه الشّديد على تجسيد أواصر عرى صلة الرحم بين أفراد الأسرة جميعاً، وكذلك حريص على أداء عمله بكل أمانة وإخلاص، حازماً في بعض المواقف ليناً في بعض الأمور التي تتطلب الحكمة والليِّن صاحب مداعبة مع الصّغير والكبير منزله العامر ملتقى لكافَّة أفراد العائلة في أوقات المناسبات، وغيرها يسعد كثيراً بحضورهم فقد ساهم بكل ما أُوتي من قوة في بناء التّواصل الاجتماعيِّ بين أفراد العائلة وأفراد الحي الذَّي يسكن فيه، يسعى دائماً للخير لسانه رطب بذكر الله وجوارحه تتلألأ بعلامات النّور والضّياء كشعاع الشَّمس يثري المجلس بأحاديثه الشيِّقة الممتعة وكلماته البليغة وبُعد نظره ونقاشه المتجدد الذي يجعل المستمع في شوق وتلهف وترقب لهذه الكلمات، فعن أبي الدّرداء عن النّبي صلَّّّّى الله عليه وسلَّم قال: (إن أثقل شيء يُوضع في ميزان العبد يوم القيامة خلق حسن وإن الله يبغض الفاحش البذيء) رواه الترمذي.
فقد عمل - يرحمه الله - في عدَّة مجالات بشركة أرامكو لفترة من الوقت ثم التحق بإدارة الحركة بكراج الملك سعود - يرحمه الله - على وظيفة سائق خاص لفترة من الوقت - ثم عمل بمهنة التجارة لفترة ليست طويلة حتى انتقل إلى جوار ربه - ولد بمدينة الأفلاج عام 1359هـ الموافق 1939م وتوفي عن عمر ناهز الخامسة والسبعين عاماً - رحمه الله - بعد معاناة مع المرض الذي ألمَّ به لفترة ليست قصيرة، أسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن تستقبله ملائكة الرّحمة وأن يجعل ما أصابه تكفيراً من جميع ذنوبه ورفعاً لدرجاته العالية.
لقد رحل الشيخ وبقي ذكره الحسن وزادت محبته في قلوب محبيه فنعاه من يعرف مكانته وبُعد نظره.. كما قال الشاعر الحكيم:
وما هذه الأيام إلا مراحل
يحث بها حاد من الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها
منازل تطوى والمسافر قاعد
وكل إنسان راحل عن هذه الدّنيا الفانية ترفع أقلامه وتجفّ صحفه كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، ولكن هذه الصّحف بما هي عليه وبما فيها تنشر على ألسنة لتكون عمراً ثانياً في حياته وبعد مماته لتملأ الفراغ الذي تركه ببدنه والذين يصنعون لأنفسهم الذكر الحسن بالعمل الصالح.
كما قال الشاعر الحكيم:
يا راحلاً وجميل الصبر يتبعه
هل من سبيل إلى لقياك يتفق
كان - يرحمه الله - يمتاز بالرِّفق - فالرِّفق دليل على سلامة صدر المرء وصلاح سريرته، فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّّّّم يخبرنا أنَّ من أُعطي حظَّه من الرِّفق فقد أعطي حظَّه من الخير كلّه، ومن حُرم حظَّه من الرِّفق فقد حُرم حظَّه من الخير كلِّه.
فإن رحيل الشّيخ سيحدث فراغاً واسعاً في محيطهم الأسري والاجتماعيِّ لما يتمتع به من آراء صائبة وتوجيهات أبويه حانية للناشئة - بنين وبنات - يستنيرون بها في حاضرهم ومستقبلهم مهما أُوتيت من البلاغة والقدرة على التعبير لا أجد الكلمات والعبارات التي تُعبّر عن صدق مشاعرنا وحبنا وتقديرنا لهذا الشيخ الفاضل - يرحمه الله -.
وختاماً: أتقدَّم بخالص العزاء وصادق المواساة إلى كافة أسرة آل مضحي بمدينة الرِّياض ومدينة الأفلاج في وفاة فقيدها الشيخ - شافي بن عيسى بن مضحي الدوسري، وأخص بالعزاء جميع إخوانه الكرام سالم ومحمد ومضحي وعبد الله ويوسف وأبناءه الأعزاء عيسى وهذال وسعود وخالد وسلطان وناصر وحرمه وكريماته وجميع أبناء العمومة وأرحامهم وأحفادهم وإلى كافة محبيه وجيرانه، سائلاً المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنَّة، وأن يلهم أهله وأسرته الصبر والسلوان.