يسمى اليوم العاشر من شهر ذي الحجة يوم النحر، في هذا اليوم والأيام الثلاثة التالية له تنحر الأضاحي قربة لله، في هذا اليوم العظيم يذبح المسلم ـ كل حسب استطاعته ـ ما يتيسر له من بهيمة الأنعام يزكي بها نفسه، ويتقرب بها إلى الله عزَّ وجل، الأضحية شعيرة يحيي بها المسلمون سنة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وهي مشروعة في الكتاب والسنة، وللأضحية زمان محدد، وأوصاف معروفة لا تقبل إلا بها، ولها قدسية عند المسلمين لهذا الكل يحرص على أن يؤدي هذه الشعيرة سنوياً بحضور الأبناء والأحفاد، تحيطهم البهجة وتجللهم مشاعر يتذكرون فيها الآباء والأجداد، مع دعوات صادقة بأن يغفر الله لهم ويسكنهم فسيح الجنان.
ونظراً لما يعتري نفوس الناس من أدران الدنيا وملوثاتها الفكرية والنفسية والاجتماعية، فإنه يلزم الإنسان السوي أن يراجع نفسه وما اقترفته يداه أو رجلاه أو زل به لسانه، وذلك بصفة دورية، وفي أسوأ الأحوال كل عام مرة، يتفقد فيها معتقداته وسلوكياته، ويجدد فيها مفاهيمه وممارساته، مراجعة تطوى فيها صفحات تختلف درجات سوادها من شخص لآخر، كل بحسب ما سطر فيها من أفعال مشينة وأقوال خارجة عن أطر الحق والطريق المستقيم، وفي الوقت نفسه يفتح العقلاء صفحات بيض خاليات من الذنوب والخطايا، والكل يتطلع إلى أن تبقى تلك الصفحات بيضاء ناصعة البياض حتى العام التالي، لكن الإنسان مهما تطلع وسعى وأبدى حرصاً والتزاماً، لا يمكن أن يتجرد من سمات بشريته التي قد تغلبه وتجره إلى مواطن يتلوث فيها بسبب شهوة أو غفلة، يرتكب بسببها فعلة، أو يزل لسانه بقول، هذه وغيرها من متلازمات البشر، المهم وقفة المراجعة والمحاسبة، فهي الممحصة المخلصة من أدران الزلات وبراثن العثرات.
في البدء قد تستميل البعض فكرة بسيطة، تستهويه يؤمن بها، ثم تتوالد عنها أفكار وأفكار، ويتبع الفكرة أخرى أشد من التي سبقتها من حيث الحدة والقسوة، ومع توالي تلقي الأفكار والإيمان بها، تبدأ عمليات تشكل السلوك الذي يعد ترجمة للأفكار، ولكون كل منا عرضة لتلقي أفكار خاطئة أو منحرفة أو متحيزة أو ربما ضالة، مما يحتم على العاقل أن يحاسب نفسه ويراجعها، بحيث يتخلص من الأفكار التي فيها تعد على الآخرين، سواء اللفظي منها أو الفعلي، من ذلك مثلاً، التحيز ضد الآخرين وكراهيتهم مهما كانت الأسباب، ولا سيما ما يبدو في سلوك البعض من تسويغات ساذجة واهية، مناطقية أو جهوية، جنسية أو عرقية، مذهبية أو فكرية.
وممن يجب البدء في التضحية به رفيق السوء، الذي شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بنافخ الكير، فهذا الصنف من الأصحاب شر لا يأتي بخير أبداً، فقد أثبتت الخبرة البشرية في مختلف الأزمنة وفي كل الأمكنة، وعلى كل المستويات الثقافية أن جليس السوء يسوغ للجالسين معه فعل السوء ويسهله عليهم، بل يزينه في أعينهم ومن ثم يدفعهم إليه، ولم يسلم من شرهم أحد طالما أنه رضي بالجلوس معهم، صحيح أن درجة التأثر تختلف من شخص لآخر، لكن في كل الأحوال التأثير السيئ يلحق بكل الجلساء، فمنهم من يلوث السوء اسمه وسيرته، ومنهم من يغمره السوء فيحرقه إلى درجة يتخلى عنه حتى الأقرب إليه، ينفر منه ويتجنبه بل وينفي صلته به خشية من أن يلحق به السوء والأذى.
ومما يجب المبادرة في التضحية به العادات السيئة التي ترتب عليها ونشأ عنها ضرر مادي أو معنوي، من ذلك التدخين أو لا قدر الله تعاطي المسكرات والمخدرات وغيرها من السموم التي تؤدي إلى زوال العقل، وما يترتب على ذلك من سلوكات منحرفة تخرج الإنسان من إطاره البشري إلى إطار حيواني لا تردعه حدود ولا تقيده قيود.
ومما يجب الإسراع في التضحية به اتباع الهوى، فالنفس مثل الطفل تستهويها المغريات والمثيرات، وثبت أن اتباع الهوى يهوي بصاحبه إلى مهاوي الردى، وعندما ينغمس الإنسان في أوحال الهوى يصعب عليه الخلاص والتطهر لكن الأمر ليس عسيراً أو متعذراً.