اطلعت على ما كتبه سعد بن عبدالقادر القويعي في صحيفة «الجزيرة» صفحة 22 في عددها 14891 السبت 27-8-1434هـ؛ حول تأجيل الحج والعمرة فأقول مؤيداً له: إن من عظمة هذا الدين أنه فتح أبواب الخير، ووسع طرق الإحسان ومكّن للمتنافسين أن يتنافسوا في السباق للوصول إلى مرضاة الله، وجعل النية هي أصل كل عمل، وأساس كل طاعة، وعليها مدار قبول القربات، ولم يحصر العبادات في عبادة ولا الطاعات في طاعة بل نوع الطاعات، وعدد العبادات، ونهى عن حمل الناس على طاعة واحدة أو قربة محددة، بل جعل لكل فرد أو جماعة ما يطيقونه، وفضل الأعمال على حسب الحال، فمرة يجعل الجهاد أفضل الأعمال، وأخرى يجعل الحج أفضل الطاعات، وثالثة جعل بر الوالدين أحسن القربات، وذلك بعد النظر في حال الفرد وظرف الزمان، ومدى الحاجة، فإذا احتاجت الأمة للجهاد، كان على الأقوى أن يجاهد، وإذا كان الفرد ذا مال كانت الصدقة أفضل الأعمال، وإذا أصبح الشخص ذا والدين كبيرين محتاجين للرعاية كان البر أفضل من حج أو جهاد، وإذا قل الحجاج وهجر البيت الحرام كان الحج أفضل ما يتقرب به إلى الدّيان، ولقد رأينا في عصرنا هذا من حصر الطاعات في الظاهر من العبادات، ونسي قربات تتعلق في الباطن من الاعتقادات، بعض الناس يحج كل عام والحج نافلة ويترك الواجب وحقوق في ذمته، البيت الحرام حق للجميع يشترك فيه المسلمون فكل يريد حظه من البيت ولو مرة في العمر، ومن عدم الفقه في الدين أن نحصر الطاعة في طاعة الحج، وأن نغلق الأبواب إلا باب الحج، أو أن ننسى الأركان إلا الركن الخامس، إن إقبال الناس على الحج كل عام وتركهم لكثير من الأعمال وبذل الأموال في ذلك مع أن بعضهم مدينون أو مقصرون في النفقة أو الصدقة أو لا يطعمون الطعام..أيها الإخوة لا يخفى علينا ما تقوم به الدولة من توسعة الحرم المكي وكثرة الحجاج الذين لم يحجوا حجة الإسلام، وأن فتح المجال لهم واجب من الواجبات كيف لا وهو أحد أركان الإسلام العظام، وأخشى ما أخشاه أن يأثم من يضيق على الحجاج، وإن من البر التوسعة لهم وفتح المجال، وليعلم أن مدار العمل على النية فمن ترك الطاعة طاعة لله كتب الله أجره مرتين، ومن نوى كمن عمل {وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ....} (التوبة 121).
أيها الإخوة أخشى ما أخشاه أن يكون الإصرار على الحج كل عام تقليداً أو مفاخرة، أو قضاء للوقت ولا يستحضر النية فهو يذهب للحج من أجل أن يقول رأينا كذا كان الزحام، وكان النصب، كان التنظيم سيئاً أو حسناً، كنا على أرض منى، ووقفنا على صعيد عرفات، وبعضهم لا يحج إلا إذا حج فلان، وهذا وأمثاله قد يكون غافلاً أو متغافلاً عن كثيرٍ من العبادات، يحج كل سنة ويلبي كل عام لكنه؛ لا يلبي المنادي ( حي على الصلاة ) فصلاة الفجر لا يصليها في وقتها كما أن بقية الصلوات تشكو جفاءه، وبعضهم يحج كل عام حرصاً على الركن الخامس وقد ضيع الركن الثالث (الزكاة) بخل بماله وضيع صيامه، ومنهم من يحج كل عام وقد فرط في حقوق مالية فهو مدان قد أخذ مال هذا وضيع مال ذاك، عليه أقساط تتبعها أقساط ولا يفكر أن يسدد ما عليه من مال، فحقوق العباد مبنية على المُشاحة وحق الله مبني على المسامحة، ومنهم من يحج كل سنة تاركاً وراء ظهره أبوه المريض وأمه الكسيرة وهما في أشد ما يكونان حاجة إليه، ومنهم من أهمل زوجته وأولاده وكم من شخص يحج كل عام وهو قاطع للأرحام عاق للأمهات، وكم من شخص يحج كل عام وليس بينه وبين الله أي صلة، يحج بعض الناس تقليد للناس، ولقد كان آباؤنا وآباؤهم أصلح منا قلوباً، وأصدق تديناً وكانوا لا يحجون كل عام، الحج مرة في العمر فمن زاد فهو تطوع (وقد سئل النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أي العمل أفضل؟ فمرة قال: بر الوالدين، ومرة قال: الصدقة، ومرة ثالثة قال: الجهاد، ورابعة قال: حج مبرور) ومن الناس من الحج في حقه أفضل كالعالم، والواعظ أو مسؤول يجب أن يقف على معاناة الحجاج، أو الغني الذي يرجى أن يبذل ماله ويساعد الحجاج، وفي المقابل من الأمة من لم يحج أو تمضي عليه السنوات تتلوها السنوات عقد من الزمن أو أكثر ولم يخرج حاجاً أو معتمراً أولئك يُخشى عليهم عقوبة الله فلقد كتب عمر بن الخطاب إلى عماله في الأمصار (انظروا إلى من لم يحج، فأضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين) فينبغي أن نحث أولئك الذين هجروا بيت الله الحرام على الحج، فأصبح الناس على فريقين اثنين وكلاهما جانبا الصواب فريق يحج كل عام وقد ضيع بقية الأركان، وفريق هجر البيت ونسي أنه حرم الله الحرام.
أسأل الله أن يعين حكومتنا على استقبال ضيوف الرحمن إن الله سميع مجيب الدعاء.