يعد محمد العلي العبد اللطيف «أبو علي» صورة حية وناطقة لرحلة حياة بدأها عصامياً وفي سن غضة، عرفناه ومنذ أكثر من ستة عقود يداً باذلة، رجل أيمن في التزامه ووفائه وحبه لمسقط رأسه (الزلفي) ومنذ البدايات الأولى وحتى اليوم وهو بحق موضع العصابة من الرأس للزلفي لقصة بدأت ولم تنته لضرب من ضروب العطاء المتنامي الذي لم ينقطع يوماً وكأنه «الأنواء».. سهلاً لا يتردد في حضوره الشخصي والمعنوي والمادي إذا ما أطريت مصلحة عامة للزلفي وأهلها، كمن ورد مورد ماء فغرف منه بيديه دون رشاء ولا دلو!! هكذا هو «أبو علي» سيرة ومسيرة جسدت نسيجا حيا وماثلا لتجربة رجل اتصف بالعصامية وقوة الإرادة والحكمة والصبر والتميز، خاض أشد أنواع الكفاح والعمل - ومنذ وقت مبكر.. وهو من ينكر ذاته وفضله، ويملك روعة التواضع وجذوة البساطة في كل شيء طبعا لا تصنعا، وهو من يوقر النعمة، ولم تغيره الثروة، بل زادته قرباً لله وشكراً وتوقيراً لنعمائه التي أفاءها الله عليه، ووثوقاً بالنفس «إنه رجل بذل حياته وماله وجاهه في أوجه الخير، فهو مشعل خير وطريق عون ورعاية، وموضع آمال ورغائب، ينادى فيسمع، ويدعى فيجيب، تمثلت فيه القيم العليا في الإيمان بالله، إذ كان ولا يزال مثلاً للكرم والمروءة والوفاء، فتح قلبه الكبير، وبيته العامر بالمحبة للغريب والقريب، كما أسهم بجهود جليلة في خدمة وطنه ومسقط رأسه «الزلفي» والنهوض بشؤونه إذا ما كانت المصلحة العامة تتطلب ذلك فله السبق مع إخوانه من بعض أهالي الزلفي في مراجعة الدوائر الحكومية منذ الثمانينيات الهجرية أو قبل ذلك للمطالبة بالمشاريع للمنطقة ومتابعتها في حال حيويته ونشاطه وحتى عند اعتلال صحته لا يعذر.. حدثني ذات مرة قائلاً: «إن لجنة ستحضر إلى الزلفي وكان آنذاك قد أجرى عملية جراحية ولا يستطيع الذهاب أو الحركة حيث نصح من قبل الطبيب المختص بالراحة التامة، وجاء جماعة من أهل الزلفي طالبين منه مرافقتهم وأصروا على ذلك... واعتذر لهم.. إلا أنهم أصروا، وقال أحدهم: نضع لك «دوشق» أي فراش، فما كان من أبو علي إلا النزول عند رغبتهم حباً وكرامةً وتعلقاً بالزلفي وتقديم مصلحته على حساب صحته وذهب معهم..
«أبو علي» خبرته وجالسته وعرفته منذ أكثر من عقدين من الزمن فعرفت منه التواضع والبساطة والصدق والوضوح، ومحبته لوطنه الكبير ومغالاته في حب مسقط رأسه الزلفي والتفاني في خدمته، يسري حباً وهياماً في وجدانه وكيانه، وهو من خاض غمار الحياة لتجربة رائدة بين جيلين متعاقبين، جيل ركب الصعب وشاهد عيان لتجربة البدايات الأولى التي أطرت لحاءه بساطة العيش والبحث عن لقمة تسد جوعه يوماً بالفلا، ويوماً بركوب المطايا، وجيل اليوم الذي لا بد أن ينظر بتمعن وتفكر إلى عمق التجربة ويستحضرها الواقعة اليوم، ويحمد الله على ما هو عليه وفيه من النعم ورغد العيش الكريم.
ولنقف موقع التقدير والإجلال لمثل هؤلاء الرجال ولو حتى بالدعاء لهم، وذكر محاسنهم، والاحتذاء بهم.
«أبو علي» لم تبهره الثروة والمال، وجعلته يعيش حالة ترفيه جميل وامتاع خاص، أو أن يبحث عن مباهج إبهار وانتشاء في الملبس والمركب والمسكن والمأكل، أو أن تكون له رؤية في شراء منتجع أو شاليه في جزر جاذبة للسياحة والتنزه والاستجمام إلا أنه يفضل رمال الزلفي، وأزاهير السبلة الفواحة، ودفء النقر الشمالية إلى حد الإغراق الشاعري والحب بمذاقات لا زالت عالقة في ذاكرته وهو في بدايات تكوينه الأول، إنه بحق أنموذج شكر النعمة التي أفاءها الله عليه، وشاهد حي لتوقير النعم التي لم تزده إلا حمداً وتواضعاً وإنفاقاً وعطاءً، وهو محسن كبير، وداعم رئيس لأعمال الخير أينما وجد هذا العمل، لم أسمعه يوماً في جلسته العصروية المعتادة وكنت من روادها أن تحدث يوماً عن أرقام ثروته أو ممتلكاته؟!! أو حتى عقد صفقة شراء أو بيع أو أطرأ شيء من أعماله التجارية وما أكثرها زاده الله منها.. إنما يتحدث عن مسيرته كعصامي شق طريقه، وبداياته الأولى التي واكبها في الزلفي والكويت والرياض حتى وصوله إلى أرقى المراتب الاقتصادية، وإلى مكانة كبيرة في دنيا المال والأعمال.
رجل بقامة أبو علي، حق علينا، أن نكرمه بما يستحق ولو حتى بالدعاء له لكل من عرف فضله ومكانته وقدره، فهو من واكب البدايات والتطلعات الأولى لرقي وتنمية مسقط رأسه وبلده الزلفي، وتصدر الصفوف للمطالبة بمشاريعه واحتياجاته.
وقد كتبت هذه الخواطر في هذا المقال بعد أن زرته في مرضه سائلاً الله العلي القدير أن يمن عليه بدوام الصحة وطول العافية وأن يجعل ما أصابه تكفيرا وأن يحسن الله لنا وله الختام، ويبقى «أبو علي» وكأنه نجمة فجر تضيء بصفحاتها من أفياء الرجولة الصادقة الكامنة بالبساطة والعفوية.. ليتحدثوا معه أو عنه قصة لا تقل سخونة وحيوية وطرافة عن قصته مع الحياة... هكذا رأيت في وجهه وهو على فراش المرض تعابير الرضا والحمد والصبر وهي تستجلي فضاءات حقيقة هذه الدنيا الفانية وهو كثيراً ما كان يردد : (يا الله العمل الصالح).