ما بين الفينة والأخرى يُقدح بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، فيهب أبناء الأمة الإسلامية على مختلف المستويات الفكرية يدافعون وينافحون عن شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، وعملهم هذا قبل أن يكون مسلكاً أدبياً هو واجب ديني يمليه عليهم ديننا الإسلامي، ولكن التعريف بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم لن يتأتى إلا إذا سبقه تعريف بالأمة ذاتها - وإن الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن الرسول عليه الصلاة والسلام لهم منا الشكر والعرفان ولهم الجزاء الأوفى من الله تعالى.. وإن الذين ذهبوا يعرفون بشخص الرسول أقول لهم على رسلكم فإني سأقول قولاً مغايراً عن قولكم فلربما أغرد خارج السرب حيال هذا الموضوع. لأن الطرح الذي تبناه المدافعون عن الرسول صلى الله عليه وسلم كان طرحاً لا يؤتي أكله ولا يهدي ضالاً!! وإذا أتينا لنميط اللثام عن ذلك السبب الذي جعل تلك الأطروحات أطروحات لا تفي بالغرض، هو أن الأمة الإسلامية حاولت أن تُعرِّف بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم ناسيةً أنه من اللائق بها أن تقدم الأمة الإسلامية تعريفاً لائقاً بنفسها!! فالتعريف بشخص الرسول -صلى الله عليه وسلم- لن يكون إلا عبر بوابة تعريف الأمة الإسلامية بنفسها، هذا أولاً، وثانياً أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد تولى التعريف به كتاب الله تعالى، فوحيه الطاهر قد أبان للناس ماهية هذا الرسول الخاتم، وأنه ما من محمدة إلا ونال منها قصب سبقها، أليس الله تعالى يقول عن رسوله الكريم {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وأليس الله تعالى يقول عنه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، أليس الله تعالى يقوله عنه كذلك {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) سورة التوبة. إذاً من هذه الآيات وما سبقها من آيات هي بمثابة تعريف لهذا الرسول.. ووحي الله الطاهر يطفح بآيات كثيرة تعظم هذا النبي، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد يكون غنياً عن تزكية فلان وفلان، فأفعاله تتحدث عن نفسه. إن الشيء الذي جعل بعض أبناء الغرب يسيئون إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنهم حسبوا من قريب أو من بعيد أن رسول الأمة الإسلامية هو رسول أفعاله وشخصيته انبثقت عبر بعض تصرفات متبعيه!! إذاً نفهم جلياً أن الذي أساء للرسول صلى الله عليه وسلم بالدرجة الأولى هو نحن أبناء الإسلام..كيف لا ونحن ما منشاز إلا وركبنا صهوته!! إن أبناء الأمة الإسلامية مع الأسف الشديد لم يعرفوا من الدين الإسلامي إلا تلك الممارسات التي يقومون بها والتي يحسبون لها بعداً له مضامين في هذا الدين، وقد قال شاعر يشتكي من تصرف كهذا:
غايتكم من الدين أن تحفوا شواربكم
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
بل دعوني أبعد أكثر من ذلك بكثير فأقول إن الذين يُعرفون بهذا الدين وبنبيه نراهم يعرفونه في الغرب عبر نهجٍ مسطحٍ هزيل لا يمت لهذا الدين بصلة!! وأن ما يقولونه أحياناً هي تعاليم لم تتماس مع مضامين ديننا ولا مع مقاصده وأهدافه!! ودعوني أقول لكم شيئاً مهماً.. لو أن أبناء الأمة الإسلامية تمسكوا بأطناب تلك المضامين التي هي جذر هذا الدين لأقام الغرب لهذا الدين وأتباعه اعتباراً معنوياً ومادياً، ولثمنوا تلك التعاليم غالياً. كيف لا وهذه التعاليم الغراء ما من خير محض إلا وأرشدتنا إليه، وما من شر صرف إلا وحذرتنا منه. أليس الإنسان بطبعه يحب الخير ويرشده ويكره الشر وينأى عنه، وما جاء ديننا الإسلامي إلا ليوافق هذه الطبيعة الإنسانية. فثمة شيء آخر جعل الغرب لا يعبأ بهذا الدين ولسان حالهم يقول لو كان فيه خير ما سبقونا إليه. إن الأمة الإسلامية هذا اليوم قد يتنصل أبناؤها عن تعاليم هذا الدين مثل حسن الخلق والتراحم والتكافل والصدق واحترام المواعيد وعدم الغش وهلم جراً. إن الذي يحاول أن يكون لهذا الدين موطئ قدم في الغرب نراهم يسوقونه عبر أقوال واجتهادات شخصية لهذا وذاك والتي ربما تكون صائبة أحياناً وخاطئة أحياناً أخرى. ولكن لو سُوق عبر بوابة الفهم الصحيح للقرآن الكريم وصحيح السنة الشريفة لكان الأمر غير ذلك. إن الأمة الإسلامية اليوم نراها قد ركنت إلى أشياء كانت على حساب تلك المضامين التي يتكلم عنه وحي الله الطاهر وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم. إن ديننا لو أخذ من آية محكمة وحديث صحيح لما كان أمرنا على ما نحن عليه اليوم. إن الذي يحاول نشر هذا الدين وهو يتأبط كتاب الله وسنة رسوله، فإن هذا الشخص سيكون نتاجه الديني نتاجاً لو اجتمع الإنس والجن على دحضه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً... ما أود قوله في هذا الموضوع أن الدين الإسلامي سيكون له وجود وحذوة عند الغرب وتقديراً سامياً عندهم وأنهم سينقادون إليه بسلك من حرير إذا نُشر هذا الدين نشراً يليق بجلاله بعيداً عن تلك الأمور التي لم يولها ديننا أهمية تذكر.. إني أشهد غياباً لمعنى الإسلام الصحيح وأشهد أن ما يُسوق له في الغرب ما هو إلا فكر هزيل لا يمثل معنى الإسلام الصحيح!! وبسبب ضحالة ذلك الفكر فإن أعداء هذا الدين ربما اغتنموا فرصة هزالة هذه الأطروحات وسذاجة قائلها.. ولما علم أعداء الإسلام أن أتباعه لا يملكون رصيداً متيناً يعصمهم من ألاعيب غيرهم امتطوا صهوةهذا الجهل لتحقيق ما يريدون.