أبدأ مقالي بهذا المقطع، وإن كان لا يتضمن الجوهرة الكاملة لمقالي: (الكتابة للطفل ما هي إلا ورطة حقيقية، سواء للكاتب أو ما قد يكتبه للطفل، وذلك لأن كاتب القصة مهما كان صغيراً في السن، تبقى هنالك فروق واضحة بينه وبين طفل اليوم باختلاف البيئات والمجتمعات إضافة إلى التطور التكنولوجي الحاصل في عالم الطفل) لعبد العزيز نجم نائب رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب.
ينجذب المبدع أحياناً ويتجه لأنواع متعددة من الكتابة الإبداعية، ولا يخلو من الجديد فيها، حتى تعطي وسماً إبداعياً له.. ولعل الكتابة كلها إبداع إن خالفت المألوف، وإن لم تخالفه، فهي إبداع (أي الكتابة) أيضاً، ولكنها حتماً تكون ذات قيمة عالية ومحل اهتمام وتقدير من المتلقي أياً كان توجهه في حالة ظهورها بنسق جديد وبتكنيك مغاير ومختلف..
إن الكتابة للأطفال لون من الإبداع، ولكنه الإبداع الصعب، الذي لابد أن يتوخى فيه المبدع الحذر الشديد كونها أدوات بناء للطفل، ولهذا يكون هذا اللون من الإبداع يحمل في داخله شيئاً من الخطورة؛ ولعلي أسميها تجاوزاً نوعاً من الخطورة الإبداعية، حيث الطفل صفحة بيضاء يُكتب عليها ما يشاء، وعجينة طرية يتشكل منها أشكالاً متعددة ومتغايرة ومختلفة.. وأن الطفل لبنة أولى في الأسرة والمجتمع وكيفما نشكله يتشكل المجتمع، يقول فاضل الحسيني الميلاني في كلمته كمترجم لكتاب «الطفل بين الوراثة والتربية» الطبعة الأولى 1981م لـ محمد تقي فلسفي ومدخلية له: (الطفل هو اللبنة الأولى في المجتمع.. إن أحسن وضعها بشكل سليم, كان البناء العام مستقيماً مهما ارتفع وتعاظم.. الطفل هو نواة الجيل الصاعد, التي تتفرع منها أغصانه وفروعه.. الطفل هو الرافد الذي يمد بركة المجتمع بالرصيد الاحتياطي دائماً وكما أن البناء يحتاج إلى هندسة وموازنة! وكما أن تفتقر إلى التربة والظروف المناسبة! وكما أن الرافد يعوزه إصلاح وتنظيف مجار! كذلك الطفل فإنه يحتاج إلى هندسة وموازنة بين ميوله وطاقاته, ويفتقر إلى تربة صالحة ينشأ فيها وتصقل مواهبه, ويعوزه تنظيف لمواد الثقافة التي يتلقاها, والحضارة التي يتطبع عليها, والتربية التي ينشأ عليها!! إنه عالم قائم بنفسه.. يحمل كل سمات الحياة بصورة مصغرة, في صخبها وأمنها, في سعادتها وشقائها, في ذكائها وبلادتها, في صفائها وحقدها. في تفوقها وتأخرها, في إيمانها وجحودها, في حربها وسلمها...) إذن هكذا هو الطفل.
أدبُ الطفل وكل ما يتعلق به أمرٌ شائكٌ، وبحاجةٍ إلى عناية خاصة في التعامل والخوض فيه كونه «أي الطفل» لبنة بناء، فالطفل وحدة بناء أولية في المجتمع فقوة أو هشاشة هذا البناء يعتمد على نوعية مكونات هذه المادة البنائية الخام، يكون قوياً حينما تكون الأرضية التي نشأ فيها وعليها الطفل أرضية مناخها يتناسب وهذا النمو، ومن ثم الأزهار ذات الأريج الطيب والثمار اليانعة اللذيذة الأرضية التي ينمو فيها الطفل، وحتى تكون كذلك لابد من تهيئتها بالتربية الصالحة المبنية على أسس علمية ذات طابع ديني وعليها ينمو الطفل ويقوى فكره ويشتد عوده.. الطرق والوسائل عديدة ومتعددة في تربية الأطفال، ومن هنا ندرك أن فلسفة التربية بالقراءة من أهمها، إن لم تكن هي الأهم، وغرس وسائل الحصول على الثقافة أمر له جدواه في التربية، لذا أجد قراءة الطفل للقصص والتي تتناسب وعمره العقلي والجسمي لها جدوى ومنطلق مهم، وفي نفس الوقت جميل ٌ.. فطبيعة الكتابة للطفل تتطلب ثقافة معينة في التركيبة الخاصة بالطفل ويجب أن يصعد الكاتب المبدع بها إلى مستوى تفكير وعقلية وذكاء الطفل؛ أقول لابد يصعد؛ لأن الطفل أكثر ذكاء مما نتصوره، فهو عميق الذكاء وشديد الملاحظة وقوي النباهة، ويتدرج هذا الذكاء حسب ظروف وطبيعة البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، وهذا يتضمن الوعي الكامل من الكاتب لمراحل نمو الطفل وما تشمله هذه المراحل من نضج في تكوين الطفل ومستواه اللغوي والنفسي والإدراكي، والكتابة للطفل لابد أن تكون حذرة وتجمع بين الشيء ونقيضه بتكنيك معين ويجب أن نفرق بين الكتابة للطفل وعن الطفل وشتان بين الاثنتين.. وإن صنفنا الأجناس الإبداعية الخاصة للطفل وماذا نقصد بها..؟ كثيرة ومتعددة فهي أية كتابة موجهة للطفل؛ سواء كانت على شكل (قصة، رواية، مسرح، مقالة، خاطرة)، وما شابهها من الكتابات الموجهة للطفل، ونعني بالكتابة للطفل بأنها الإبداع للطفل، من حيث اللغة والإخراج والألوان والصور ونوعية الخط ودرجته والرسالة أو الهدف وكيفية الأسلوب والتكنيك الكتابي.
أحقاً الكتابة للطفل ورطة.؟ أم أن هذه الورطة - إن صحت هذه المقولة - واجبة وضرورية للطفل أم أنها غير ذلك..؟.