وردتني رسالة بريديَّة من الدكتورة حسنيَّة عزاز من الجزائر، وهي ممَّن التقيتُ بهم في المؤتمر الدولي الثاني للغة العربيَّة في دبي، وكنتُ قد بعثتُ لها بقصيدة حسناء المؤتمر التي كتبتُها هناك، فرددتُ على رسالتها برسالتي التالية:
أختي الدكتورة حسنيَّة عزاز - الجزائر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطابت أوقاتكِ:
قرأت رسالتك البريديَّة الأخيرة، فسرَّني وصفك قصيدتي «حسناء المؤتمر» بالرائعة، وأطربتني عباراتك القائلة فيها: «التمست فيها وعي شاعر بما يكتب، وحس مرهف لا حدود له» ووقفتُ عند اقتراحك القائل:» شاعري الكبير كان من الأفضل لو كتبت في البيت الأخير: في دبي طاب لي مؤتمر سألتني فيه حسناء الجزائر (أو لتكن حسناء العرب)، وكنتُ قد كتبتُه:
في دبيٍّ طاب لي مؤتمرٌ
سألتني فيه حسناءُ مُضرْ
وذلك أنَّ القصيدة رائيَّة في رويِّها، ومضر ينتمي إليها معظم العرب، وهذا يعني أنَّه من باب التعبير بالجزء عن الكلِّ أو بالفرع عن الأصل، وفي كلا اقتراحيك، «سألتني فيه حسناء الجزائر»، أو «سألتني فيه حسناء العرب» مخالفة لروي القصيدة، بل الأول منها يخصِّص وأنا أردت التعميم، وعموماً استثارني اقتراحك الأول لأكتب قصيدة خاصِّة لك.
لَسْتُ أَدْرِي فِي مَسَائِي مَن أُسَامِرْ
فَأُغَنِّيْه بِشِعْرِي وأُحَاوِرْ
لَسْتُ أَدْرِي لَسْتُ أَدْرِي فَلَكَمْ
مَرَّنِي فِيْهَا احْتِمَالاتٌ وَخَاطِرْ
كَيْفَ أَدْرِي فَشُعُورِي غَائِمٌ
عَاصِفٌ شِعْراً وبِالأَشْوَاقِ مَاطِرْ؟
حِيْنَ أَدْرِي سَوفَ أَمْضِي طَالَمَا
أَنَّنِي لا أَعْرِفُ الحَدْسَ المُكَابِرْ
يَا فُؤَاداً يَشْتَكِي مِنْ نَبْضِه
وَيُعَانِي فِيْهِ إِيْقَاعَ المَشَاعِرْ
كَيْفَ أَرْوِيْهَا فأَرْوِي لَحْنَهَا
بِالمَعَانِي فَأَنَا رَاوٍ وَشَاعِرْ ؟!
غَيْرَ أَنِّي فِي صَدَاهَا حَالِمٌ
في ضَجِيْجِ الصَّمْتِ في المَوقِفِ حَائِرْ
لَسْتُ أَدْرِي إنَّنِي فِي حَيْرَةٍ
أَرْهَقَتْنِي أَنَا مِنْهَا غَيْرُ قَادِرْ
بَعْدَ هَذَا لَم تَزِدْنِي حَيْرَتِي
غَيْرَ شَكٍّ قَادِحٍ للفِكْرِ عَابِرْ
قَدْ أَتَانِي هَاتِفاً يَسْأَلُنِي
هَلْ تُرَى أَنْتَ لِمَا فِي الأمْسِ ذَاكِر؟
فَتَذَكَّرْ فِي دُبَيٍّ يَومَهَا
نَظَرَاتٍ لَمْ تُحَاصِرْهَا المَحَاجِرْ
سَوفَ تَلْقَى حِيْنَهَا مِنْ بَيْنِهَا
مَنْ لَكُمْ تَنْسَاقُ شَوقاً فَتُسَامِرْ
مَنْ لَكُمْ يَرْضَى بِبَوحٍ قَلْبُهَا
وَلَكُمْ تَشْتَاقُ رُوحاً وَتُشَاطِرْ
هَاتِفٌ حَاوَرَنِي فِي بَثِّه
فَتَجَلَّى الأَمْسُ نَبْضاً فَهْوَ حَاضِرْ
فَبَدَتْ لِي فِي سَمَائِي صورَةٌ
وَنِدَاءٌ فِيْه حَسْنَاءٌ تُجَاهِرْ
بَعَثَتْ لِي بِبَرِيْدٍ عَاتِبٍ
فِيْه بَوحٌ بَلْ وَفِيْه الشوقُ سَافِرْ
إِنَّهَا حُسْنِيَّةٌ فِي حُسْنِهَا
إِنَّهَا فِي الحُسْنِ حَسْنَاءُ الجَزَائِرْ
لَسْتُ أَدْرِي انْزَاحَ عَنِّي وَقْعُهَا
كَاشِفاً لِي فِي مَسَائِي مَن أسَامِرْ
فَهْيَ فَوقَ الحُسْنِ فَاقَتْ أَدَباً
يَنْشُرُ السَّعْدَ بِإِيْقاعٍ مُبَاشِرْ
حِيْنَمَا تَقْرَأُه مُنْشِدَةً
يَتَوَارَى مِنْ فؤَادِي مَا أُحَاذِرْ
تَسْتَثِيْرُ القَلْبَ فِي نَظْرَتِهَا
بَعْدَ أَنْ كَانَ ضَعِيْفَ النَّبْضِ فَاتِرْ
حِيْنَ تَرْوِيْه بِمَا تَرْوِي لَه
فَتُغَنِّيْه بِشِعْرِي وَتُبَادِرْ
عِشْتُ هَذَا فِي مَسَائِي حُلُماً
فِي خَيَالٍ وَشُعُورٍ مُتَوَاتِرْ
هَلْ تُرَى أيامهَا تَأْتِي بِهَا
فَتَرَانِي وَالغَضَا فِي اللَّيْلِ سَامِرْ؟!
أَمْ تُرَاها بِبَرِيْدٍ تَكْتَفِي
بِالَّذِي تبْدِيْه مِنْ نَبْضِ المَشَاعِرْ
إِيْهِ حُسْنِيَّةُ إِنِّي شَاعِرٌ
فِيْكِ كُونِي أَنْتِ بالنَّقْدِ تُمَاضِرْ
سَامِرِيْنِي مِنْ عَلَى البُعْدِ فَقَدْ
وَجَدَ القَلْبُ بِعَيْنَيْكِ المُسَامِرْ