كتب - فرحان الجارالله:
فجع الوسط الرياضي بلعبة الجودو بنبأ وفاة مدرِّب المنتخب السعودي للجودو الكابتن والمدرِّب المصري الخبير محمد السيد سبيع في المعسكر الإعدادي للمنتخب المقام حاليًّا بالجزائر تحضيرًا لبطولة الخليج، حيث أعلن عن وفاته بعد لحظات من انتهاء الحصة التدريبية الصباحية للمنتخب إثر سكتة قلبية نقل على أثرها لأحد المستشفيات القريبة من المعسكر لكنه فارق الحياة -رحمه الله-..
هذا وقد وجّه صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل الرئيس العام لرعاية الشباب المسئولين بالرئاسة العامَّة لرعاية الشباب ومسئولي اتحاد الجودو لسرعة التنسيق مع سفارة خادم الحرمين الشريفين بالجزائر لإنهاء إجراءات نقل جثمان الفقيد..
وحول ظروف وفاة محمد سبيع، قال مسعود ماتي رئيس الاتحاد الجزائري للجودو في تصريحات إعلاميَّة أمس: «لقد أشرف التَّقني المصري هذا الثلاثاء على الحصة التدريبية الصباحية بالقاعة مُتعدِّدة الرياضات بسطاوالي. ولدى عودته للفندق شعر بوعكة شديدة تطلبت نقله على جناح السرعة للعيادة الاستشفائية العمومية للمدينة حيث لفظ أنفاسه الأخيرة»..
الكابتن محمد السيد سبيع من مواليد 1654م بالمحلة الكبرى ويبلغ من العمر 59 عامًا ويُعدُّ من نجوم العالم في لعبة الجودو ومن أوائل المحاضرين الدوليين العرب في الجودو والمعتمدين في الاتحاد الدولي للجودو.. وهو بطل مصر وإفريقيا والعالم فترة السبعينات والثمانينات وزن 65 كجم ومصنف دوليًّا وقتها من أفضل عشرة لاعبين على مستوى العالم في ذلك الوزن وعمل مدرِّبًا عامًا لنادي غزل المحلة ومنتخب مصر فترة الثمانينات ومدرِّبًا للمنتخب السعودي من 1989م حتَّى 2004م، ثمَّ مدرِّب المنتخب السعودي من 2009 حتَّى وفاته -رحمه الله-..
وقد ساهم الكابتن سبيع في التطوّر الكبير الذي شهدته لعبة الجودو بالمملكة العربيَّة السعوديَّة وتقديم عدد من الأسماء اللامعة في هذه اللعبة والأبطال الذين برزوا بشكل لافت على المستوى الإقليمي والقاري والدولي وإحراز الكثير من الألقاب التي تحققت على يديه منها لقب البطولة العربيَّة للشباب بالمغرب والناشئين بلبنان والمركز الثاني في بطولة العالم العسكرية بروسيا والمركز الأول في بطولة العالم للشرطة بليبيا وغرب آسيا للشباب والناشئين والدرجة الأولي بالإضافة لاحتكاره لقب البطولات الخليجيَّة للدرجة الأولي والشباب والناشئين..
وقد حقق البطل عيسي مجرشي معه الميدالية البرونزية ببطولة العالم بلندن الموسم الماضي وتأهل لأولمبياد لندن وحقّق معه المركز الأول في البطولة العربيَّة بالقاهرة والعالم للشرطة والعالم العسكري وكذلك البطل العالمي تركي منير وراشد زيدان وغيرهما..
وشهد الجودو السعودي في عهده تألقًا لا مثيل له وترك رجالاً يعتمد عليهم الجودو السعودي سواء مدرِّبين أو إداريين، فقد كان مدرسة متكاملة في هذه اللعبة..
وتحدث لـ(الجزيرة) عددٌ من زملاء الفقيد وتلاميذه في هذه اللعبة، حيث قال الدكتور يحيي الزهراني صاحب فضية بطولة آسيا للشباب والفائز في انتخابات اتحاد الجودو حاليًّا: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }، فقدت اليوم جزءًا من نفسي، إنسانًا كان لي الصديق والرفيق، والأب والموجّه، والمدرِّب الناصح، فقدت شخصًا ما إن رثاه المحبون لم يشفوا في حسرتي، يا من لا يرثيني فيك الرثاء، لكن ما نقول إلا ما يرضى الله، طبت حيًا وطبت ميتًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أستاذي وحبيبي الكابتن محمد السيد سبيع، ولا حول ولا قوة إلا بالله، رأى فيني الابن، ورأيت فيه الأب والموجّه، كان عطوفًا عليّ، في كلِّ التفاصيل عطوفًا، كان لي نعم الموجه، وكان حريصًا على أمري كلّّه، وحريصًا أن أكون دائمًا بأفضل صورة، كان عظيم القيادة، من يجعل من معه قادة، بشوشًا، رقيق القلب، كريم الخلق، متفانيًّا ومخلصًا في عمله، كان لي الملجأ بعد الله الذي أشكي إليه، وألقي إليه أسراري البسيطة، كان كبير القلب، يحب عمل الخير، وتعلمت منه الكفاح، وأن أكون ذا مبدأ، نزيهًا ومجتهدًا، رحمات الله تتنزل عليك من سبع سماوات يا كابتن واسأل الله أن يجمعنا وإياك في الفردوس الأعلى، وكما كنت لي أعز الناس وكنت من أعز الناس عندك، اسأل الله أن يلقانا بك مع محمد وصحبه وأن يلهم أهلك ويلهمنا الصبر على هذا المصاب فمن نرتجي إلا الله ومن ندعو إلا إيَّاه ولا حول ولا قوة إلا بالله..
أما الأستاذ معمر بن سعد المعمر رئيس اللجنة الفنيَّة باتحاد الجودو السعودي فقال: رحل عنّا الأب والأخ والصديق والمدرس بمدرسة الحياة وصانع الأبطال، فقدنا جزءًا غاليًّا من كيان الجودو بالمملكة فعليه الرحمة وصبر الله أهله وذويه..
وأكَّد أثناء اتِّصال (الجزيرة) به أنّه متوجّه للدوحة عن طريق البر لاستقبال بعثة منتخب الجودو والعمل على إخراج اللاعبين من حالة الحزن الكبيرة التي اجتاحتهم بوفاة الكابتن سبيع..
وكشف المعمر لـ(الجزيرة) أن صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل الرئيس العام لرعاية الشباب أولى الأمر اهتمامًا خاصًا منذ تلقيه خبر وفاة الكابتن سبيع، حيث تَمَّ مخاطبة سفارة خادم الحرمين الشريفين بالجزائر لتسهيل إجراءات نقل جثمانه إلى الأراضي السعوديَّة على وجه السرعة لتحقيق رغبة أسرته للصلاة عليه ودفنه في الأراضي المقدسة بمكة المكرمة..
وأشاد المعمر بوقفة الجميع في السفارة السعوديَّة بالجزائر مع بعثة المنتخب السعودي هناك لمواجهة هذا الظرف الطارئ..كما أشار إلى أن المدرِّب الوطني ياسر عياد سيتولى تدريب المنتخب في بطولة الخليج..
ومن جانبه قال عضو الاتحاد السعودي للجودو الأستاذ سعد الصعب: وفاة الكابتن محمد سبيع فاجعة كبرى لنا ولكن نحمد الله على قضائه.. وأسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويسر حسابه وييمن كتابه ويفتح له من أبواب الرحمات ما تطمئن به روحه وتصبر بها أهله.. اللَّهمَّ أجعل ملائكة الرحمة رفيقةً له في سفره ومن طاقات الجنان أضئ له بها قبره وأجعل روحه في روحٍ وريحان ورب راضٍ غير غضبان ووسع مدخله وأغسله من خطاياه بالثلج والماء والبرد ونقه من الذنوب والمعاصي كما تنقي الثوب الأبيض من الدنس وعامله ربي بالإحسان والرفق والرحمة..
ووسط أحزانه تحدث الكابتن محمد كساب (مدرِّب الطائي ومنتخب المملكة للناشئين) بصعوبة بالغة حيث قال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }الأنبياء 34.. صدقت يا إلهي فيما أحكمت من آياتٍ... ووالله إن العين لتدمع دمًا وإن القلب لينفطر حزنًا وإنا لمحزونون على فراق الوالد والأخ الأكبر والصديق الصدوق ذو القلب الطيب والضمير الحيِّ.. الذي إذا استنجدت به وجدته بجوارك يحلّ مشكلتك ويعطف على هذا ويفرج كربة هذا.. عاهدته منذ أن وطئت أقدامي غزل المحلة في أوائل الثمانينات، وأذكره وهو يشحذ الهمم ويدفع للبطولة دفعًا وتتلمذت على يديه بغزل المحلة وفي منتخب مصر لسنوات طويلة، ثمَّ رافقته الدرب في الغربة طوال الإثنى عشر عامًا الماضية لم يعنفني يومًا بل كان الناصح الأمين الوالد الخلوق الذي يعطي بلا حساب، تفانى في عمله وأحبه حتَّى في فترات شدة المرض عليه ولكن لا بُدَّ للسفينة من أن ترسى على شط وأن يصل القطار لمحطته، فهنيئًا لمن مات دون عمله فهو شهيد كما أخبرنا الصَّادق المصدوق في حديثه [من مات دون عمله فهو شهيد] ويزيد الغربة على الغربة...ووالله أهون على أن أنعي أحد أولادي أهون من رثاء الوالد والأخ ورفيق الدرب والغربة الغريبة التي من أسوأ ما فيها هذا الزائر المفاجئ العنيد المقتحم علينا من غير استئذان.. لقد كان الأستاذ شمعة متألقة في التدريب الصباحي ضاحكًا مستبشرًا يداعب هذا وذاك وكأنه الوداع الأخير كما أخبرني اللاعب راشد زيدان في تعزيته لي، وعند الظهر فاضت الروح لبارئها وتوفته رسل المنايا من غير إنذارٍ ولا تفريط فلله ما أعطي ولله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار وإنا لله وإنا إليه راجعون..أسأل الله دوام الدُّعاء حتَّى يوارى جثمانه الثرى وتطمئن روحه إن شاء الله في روحٍ وريحان وربٍ راضٍ عنه غير غضبان إن شاء الله تعالى..
كما تحدث لـ(الجزيرة) الأستاذ ممدوح حسن نمر أمين صندوق الاتحاد العربي للجودو وعضو مجلس إدارة الاتحاد العربي السعودي للجودو قائلاً: الأب والأخ الذي عاشرناه منذ الصبا والشباب وتتلمذنا على يديه وافتخر بنا وافتخرنا به وأوصلنا للعالميَّة رحمة الله عليه خسارة كبرى حَلَّت بنا نحن أبناؤه، لم يتكبر علينا يومًا، كان يسمع وينصت ويتفاعل معنا بالرأي ويعمل بالشورى مع أستاذيته كان مثالاً للتواضع اللَّهمَّ تغمَّده برحمتك يا رب العالمين..
فيما قال الأستاذ فهد حماد إداري المنتخب والابن البار لمعلمه قائلاً: رحم الله الوالد والأخ والصديق الصدوق معلمنا فن الحياة وهندستها كان خير رفيق في الدرب الطويل منذ الثمانينات وأنا أدرس التربية الرياضيَّة بمصر وأنا معه في المنتخب المصري، لا يشعر بالغربة ونصائحه نبراس يضيء لنا الطريق وتعلّمت منه الكثير والكثير وفضله على الصَّغير قبل الكبير.. وولداي سليمان وعبد الله يدينان له بالفضل من بعد الله لوصولهما للعالميَّة، مآثره كثيرة وذكرياته جميله رحمة الله عليه وصبر أهله..