يعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرمن أعظم شعائر الإسلام وواجباته، وفيه مصالح عظيمة لاتخفى فهو قيام بأمر الله ورسوله كما قال تعالى: {وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وكما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
وهوسبب لخيرية هذه الأمة كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه} وهو من أخص صفات المؤمنين كما قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وهوسبب للنجاة من الهلاك كما قال تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مّمّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتّبَعَ الّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىَ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}وهوسبب لتكفير الذنوب والخطايا لما في الصحيحين من حديث حذيفة -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَر)ِ وهوسبب لزيادة الإيمان حيث جاء في صحيح مسلم (باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان) ثم ساق بعده حديث أبي ذر (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)وهوسبب لكسب الثواب والأجور العظيمة ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) وقوله: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) أخرجهما الإمام مسلم في صحيحه ومما يدل على أهميته وعظيم منزلته أن الله سبحانه وتعالى قدمه على الإيمان كما في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وقدمه على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة كما قال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فهذا التقديم في الآيتين الكريمتين هو لضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشدة الحاجة إليه، ولاسيما عندكثرة الجهل، وقلة العلم وفي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفاسد عظيمة، وعواقب وخيمة على الفرد والمجتمع منهاحلول العقاب، وتسليط الأعداء، وعدم استجابة الدعاء ومما يدل على ذلك من النصوص الشرعية حديث أبي بكر الصديق (رضي الله عنه): (يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} إلى آخر الآية، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه)أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأيضاً جاء في مسند الإمام أحمد عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء، فتوضأ ثم خرج، فلم يكلم أحداً، فدنوت من الحجرات، فسمعته يقول: يا أيها الناس إن الله عز وجل يقول مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر من قبل أن تدعوني فلا أجيبكم وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني فلا أنصركم) وفي لفظ آخر من حديث حذيفة يقول عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم) رواه الإمام أحمد.
وفي حديث ابن مسعود عند أحمد وأبي داود والترمذي يقول عليه الصلاة والسلام: (لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم على لسان أنبيائهم داود وعيسى بن مريم (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) وفي لفظ آخر: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تفعل من المعاصي ثم يلقاه في الغد فلا يمنعه ما رآه منه أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم) أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يوفق من أسند إليه هذا الواجب العظيم أن يقوم به على خير قيام، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمورنا لما فيه صلاح البلاد والعباد إنه ولي ذلك والقادرعليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.