ذكر تقرير حديث صادر عن ستاندر اند بورز أن شركات التأمين السعوديَّة تواجه مصاعب كبيرة وتساءل التقرير عن جدوى 34 شركة عاملة بالسوق، وهل لعددها دورٌ سلبيٌّ بما تواجهه الشركات من ضغوط بالمنافسة والكفاءة التشغيلية خصوصًا ذات رأس المال الصَّغير ولم يخف التقرير استغرابه من أن قطاع المصارف الضخم يعمل به 12 بنكًا أصيلاً مقارنة بقطاع التأمين الصَّغير حجمًا والأكبر عددًا بشركاته.
بل إن التقرير الذي قدر حجم نشاط التأمين عند عشرين مليار ريال ذكر أن عشر شركات تستحوذ على 75 في المئة منه وبقية الشركة تنافس على ما تبقى من حصة السوق وأن ثلاث شركات من العشرة الكبار لها نصيب الأسد عند 54 في المئة من حجم السوق وعدّ التقرير أن بعض الأنظمة التي صدرت من الجهة المنظمة للقطاع قبل فترة قصيرة له دورٌ سلبيٌّ بالضغط على أداء الشركات الصغرى تحديدًا وعدّ أيْضًا أن الشركات الكبرى لا يعني حصولها على الحصة الأكبر بالسوق، إنها تحقق أرباحًا مجزية لأن هناك عوامل تتعلّق بارتفاع تكاليف التشغيل تُؤثِّر سلبًا على أدائها وخلص التقرير إلى أن الخيارات أمام الشركات الصَّغيرة محدودة جدًا للتحوّل نحو الربحية والتحسن بالأداء مستقبلاً.
ومن الواضح أن التقرير لم يَرَ سلبية في نموِّ أعمال ونشاط قطاع التأمين، بل ركز في رؤيته للتحدِّيات والمصاعب التي تواجه القطاع على الجوانب التنظيمية وعدد الشركات ورؤوس أموالها ويمكن أن نفهم من التقرير أن الخلّل موجودٌ في عدد شركات كبير قياسًا بحجم القطاع وأيْضًا أن وضع مائة مليون ريال كحدٍّ أدنى لرأس مال الشركة كي ترخص للعمل يُعدُّ سلبيًّا لأنّه رأس مال قليل قياسًا بحاجة شركات التأمين للعمل والمنافسة بالإضافة لطبيعة بعض الأنظمة التشغيلية التي تزيد من الضغوط على الشركات الصغرى وتجبرها على رفع أسعار منتجاتها مما يضعف منافستها أمام نظيراتها الكبرى وإذا كان معيار الحجم والكفاءة هما ما خلص له التقرير من عاملين لبقاء الشركات بالسوق.
إلا أن كل ما ذكر بالتقرير يطرح تساؤلاً مهمًا حول كل الدراسات التي سبقت ورافقت مراحل تنظيم القطاع سابقًا، فالشركة المصدرة للتقرير كان لها دورٌ استشاريٌّ بمراحل تنظيم القطاع حسب ما سمعنا في حينه وإذا كان ذلك صحيحًا فأين غابت نظرتها المستقبلية حول رأس المال المناسب لكي تنهض الشركات بأعمالها وتستطيع المنافسة بالسوق وإذا كانت المسئولية بالنهاية تقع على الجهة المنظمة حول اللائحة التنفيذية والتشريعية التي نظمت القطاع والعاملين فيه بعيدًا عن أيّ دور لجهات استشارية استعانت بها فإنَّ الحاجة تبدو ملِّحة وضرورية لدعم القطاع وإعادة النظر بتشريعاته مبكرًا قبل أن تتفاقم مشكلة الشركات خصوصًا الصغرى وتفعيل الدعوة التي وجهت لها للاندماج أو الاستحواذ من قبل معالي محافظ مؤسسة النقد قبل عدَّة أشهر.
قطاع التأمين يُعدُّ حيويًّا بأي اقتصاد ويمثِّل حجمه ببعض الاقتصاديات خمسة بالمئة من الناتج الوطني ومع توسعه ونموه بالاقتصاد المحلي فإنَّ معالجة مشكلة الشركات العاملة به من كل النواحي وإقرار هيئة مستقلة مشرفة عليه سيحوّله لقطاع نشط وبتنافسية إيجابيَّة ويحقِّق مصالح العملاء والمستثمرين فيه وسيلعب دورًا استثماريًّا مهمًا بالاقتصاد المحلي ويعزِّز الثقة به التي من شأنها أن تزيد من الإقبال على أعمال التأمين التي لها مردودٌ إيجابيٌّ متعدّدٌ بالحفاظ على المكتسبات الاقتصاديَّة العامَّة والخاصَّة.