يعتقد البعض أن فكرة استقالة المسؤول من منصبه عند حدوث خطأ ما في الجهة التي يتولى مسؤوليتها فكرة جيدة.
كذلك أعتقد بما تعتقد الأغلبية عن فكرة الاستقالة كون الاستقالة بشكل أو بآخر تظهر جانباً إنسانياً لأنواع المسؤولية التي لم نعتدها في شخوص المسؤولين، وهو جانب الإقرار بالقصور والاعتراف بالخطأ، وليس كما قد يعتقد البعض بضرورة بقاء المسؤول في منصبه ترقباً لما سيصدر من قرارات بشأن أخطاء منشأته.
ففي رأيي الشخصي أن فكرة تقديم الاستقالة فكرة جيدة في حد ذاتها، أولاً لكونها تخلق نوعاً من أنواع التوازن والتقارب بين جهة مخطئة ومجتمع ناقم لأخطائها، وثانياً كونها تسلط بقعة ضوء على ضمير المسؤول.
وخاصة حين تأتي تلك الاستقالة مباشرة بعد وقوع الخطأ أو القصور، فإنها بذلك تطفئ اشتعال الأوضاع في فكرة المجتمع من أن المسؤول لا مسؤول، ولا يشعر بحجم مسؤوليته، فحتماً أي قصور قد تواجهه المنشأة يقضي على كل صورة جيدة عنها أو عن المسؤول، بل ويسهم في نشر كل الصور المسيئة عنها.
وفكرة الاستقالة ليست فكرة جيدة وحسب، إنما هي جيدة جداً لتركها انطباعاً ممتازاً عن مصداقية المسؤول مع نفسه، قبل مصداقيته مع مجتمعه.
وفي الوقت نفسه تعكس أفكار المجتمع تجاه ذلك المسؤول، الذي وإن لم ينجح في المهمة الوظيفية الموكلة إليه، إلا أنه نجح في الحفاظ على صورة نقية لمسؤول لمعنى المسؤولية لتقديم استقالته، وهو مدرك تمام الإدراك لحجم ونتيجة قراره هذا الذي جاء دونما ضغوط من جهة أو أحد ما لكن يظل السؤال المهم:
ما هو الأهم بالنسبة لمجتمع لا يزال يرى أن تقديم المسؤول لاستقالته، يعني هربه وتنصله من كل توابع المسؤولية، وتواريه عن أي مساءلة قانونية قد توجه له حول إخفاقات الجهة التي كان يديرها؟
أن يتقدم المسؤول باستقالة تعد خطوة جريئة لاعترافه بخطأ منشأته، أم يبقى على رأس العمل داخل جسد مجتمع ناقم غاضب من تلك الإخفاقات؟؟
لذلك أرى من المستحسن إبرام تساؤل واحد ضمن منظومة التساؤلات السابقة في حالة ترسيخ فكرة استقالة المسؤول، متضمناً تساؤل.. لماذا يستقيل المسؤول؟
لإخفاقه في تحقيق الرضا حو المنشأة التي يديرها؟
لعدم رضاه عن نفسه كمسؤول محصور في إطار الثقة الممنوحة له؟
أم لأنه يرى بين سطور استقالته طرقاً سالكة للتنصل من مسؤولية المساءلة تجاه أخطاء أو إخفاقها؟
احترم بشدة أي مسؤول يبادر بالاستقالة، ويبقى في ذهني السؤال الأقصى أهمية، هل استقالة المسؤول عملة ذات وجهين، وجه يمثل العدالة في محاسبة الذات، ووجه يمنح الحصانة ضد المساءلة والمحاسبة؟؟
أم استقالة مبنية على أساس إقرار المسؤول بأخطاء وقعت بمنشأته وتحت إطار مسؤوليته، ومعلناً في ذات الوقت جاهزيته للمساءلة متى ما اقتضت المصلحة العامة ذلك؟
مما يعني أن قرارات استقالات المسؤولين من مناصبهم حين وقوع الأخطاء بمنشاءاتهم، كوضع عام ستكون ظاهرة جيدة ومحفززة لتدارك الأخطاء والحد منها، وكوضع خاص أمر مثير لتحقيق رضا المجتمع، كمجتمع يرى في محاسبة المسؤول لنفسه وإقراراه بالخطأ أول الخطوات نحو الإصلاح المنتظر.