ساهم ارتباط العملة السعودية بالدولار في جعل العديد من الاقتصاديات الناشئة في إيجاد حلول سريعة لتجنيب حجاجهم تكلفة صرف إضافية بعد وصولهم الأراضي المقدسة. حيث شهدت العملات الاندونيسية والتركية والهندية انخفاضات حادة أمام الدولار (الذي يرتبط أصلا بالعملة السعودية). وفي ظل استنزاف احتياطات العملة الأجنبية من قبل البنوك المركزية، قامت اندونيسيا و تركيا بإصدار صكوك دولارية. وعادةً يتم استخدام تلك الاحتياطات لإيقاف أي نزول في قيمة العملة المحلية في الأسواق العالمية. وبحسب وكالة بلومبرج، تسارع اندونيسيا الزمن من أجل تقديم منتجات تحوط تسمح للبنوك بحماية أنفسهم ضد أسوأ أداء لعملتهم في الأسواق الناشئة. وجاء هذا التحرك بعدما حذر اقتصاديون أن حجاج هذه البلدان سيعانون من ارتفاع تكاليف السفر عندما يستبدلون عملتهم المحلية بالريال (المرتبط بالدولار). حيث يتوقع أن ينتهي البنك المركزي الاندونيسي من مسودة قوانين تسمح للبنوك الإسلامية من حماية نفسها ضد تقلبات العملات. وحصلت هذه القوانين على موافقة مبدئية من الهيئة الشرعية المركزية للفقهاء هناك.
حاجة ملحة
وأصبحت إدارة المخاطر حاجة ملحة من وزارة الشؤون الدينية التي تخطط لنقل ما يقارب من 20% من مدخـرات الحجاج (تعادل 4.9 مليار دولار بالعملة المحلية) الى الحسابات الإسلامية لدى بنوكها الملتزمة بالشريعة. وانخفضت الروبية بما يعادل 16% ضد الدولار هذه السنة.حيث تشارك اندونيسيا هذه السنة بـ155 ألف حاج وحاجة. وتصل القيمة المتوسطة لتكلفة رحلتهم إلى 3532 الف دولار. وينصح المصرفيون صندوق الحج الحكومي بأن يتحوط ضد تقلب العملات وذلك بأن يحول مدخرات الحجاج إلى حسابات إسلامية لديها بالفعل أساليب تتحوط بها ضد تقلب العملات.
لكن بعض الفقهاء الشرعيين يجيزون المشتقات طالما كان استخدامها للتحوط من المخاطر القائمة على الأدوات الاستثمارية الحالية، وليس في سبيل المضاربة. إلا أنه ليس من السهل تبرير هذه الحجة. يقول لرويترز أجيل نات، كبير التنفيذيين في جامعة (انسيف) الماليزية، «إن الإسلام يشجعنا على إدارة المخاطر. ولكن أين تنتهي إدارة المخاطر وأين يبدأ القمار؟»
منعا لإثارة الجدل، فضل العالم الماليزي المتخصص في التمويل الإسلامي محمد داود بكر استخدام الحجة العقلية ليبرر استبدال اسم المشتقات «الإسلامية» بالتحوط «الإسلامي». حيث يقول: «لا يجوز أن نطلق عليها اسم المشتقات *الإسلامية*، لأن المشتقات تتألف من عنصرين لا بد من وجودهما فيها: الأول هو أنها منتجات مشتقة من المنتَج الأصلي (أي الموجودات التي تقوم عليها). الثاني هو أنه يجب أن تكون المشتقات قابلة للتداول في السوق وأنه لا ينبغي لنا أن نسمح بذلك من وجهة النظر الشرعية. لذلك أتقدم بهذا الاقتراح إلى الأجهزة التنظيمية: لا تطلقوا عليها اسم المشتقات الإسلامية، وإنما ادعوها *التحوط الإسلامي.
وعلى الرغم من أن الفقهاء أجازوا بعض المبادئ، مثل بيع العربون، والمرابحة، والتحوط الحقيقي، فإنهم لم يتبنوا السمات الكاملة لمنتجات المشتقات التقليدية، مثل قابلية هذه الأدوات للتداول في السوق الثانوية. وإن أياً من هذه الأدوات ليست له سمة المضاربة، على اعتبار أن الهدف الأساسي هو التحوط وليس المضاربة. يقول بكر:»وبصورة أبسط، هذه المنتجات القائمة على أحكام شرعية مقبولة ليست «مشتقات « تامة في طبيعتها، وذلك لأن الفقهاء أجازوا هذه المنتجات لغرض التحوط من الأخطار المحتملة، وليس للاستفادة من الاتجار بالمخاطر، والعلاوة الخاصة بذلك.»
يذكر أن بنك سي أي ام بي الإسلامي الماليزي، قد قام بإطلاق أداة للتحوط في مجال العملات الأجنبية، يستطيع المستثمرون من خلالها الدخول في تعامل إسلامي مع البنك. في هذا التعامل، فإن العوائد الصافية، التي تشبه المبالغ التي تدفع على الخيارات التقليدية، تعطي المستثمرين الحق في ممارسة الخيار بالسعر المتفق عليه عند تاريخ الاستحقاق. لكن بعض المصرفيين يقولون إن الصناعة تَجهَد في الوقت الحاضر للعثور على عقود إسلامية كافية يمكن استخدامها لخلق المشتقات.
معلوم أن صناعة المصرفية الإسلامية التي تقدر بحوالي تريليون دولار، تحرم الهياكل البنكية التي تتسم بالغموض، في سبيل تجنُّب الاستغلال. وهي قاعدة يجادل البعض بأنها تسد الطريق على استخدام وسائل التحوط الشائعة، مثل عقود التأمين المتقابلة والعقود الآجلة على حركة أسعار صرف العملات وحركات أسعار الفائدة.
هذه الشكوك تعمقت مع تطور المشتقات من عقود بسيطة نسبياً، مثل العقود الآجلة للعملات الأجنبية، إلى أدوات معقدة مثل عقود التأمين المتقابل على الائتمان، والعقود التي تتم خارج البورصات الرسمية بين طرفين يراهنان على احتمال تعثر إحدى الشركات وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها ودفع الفوائد على سنداتها خلال فترة محددة.
وكان من شأن ذلك أن ما بقي متاحاً أمام المؤسسات الإسلامية من أدوات تحوط هو أقل بكثير من الأدوات المتاحة للبنوك التقليدية.