أكتبُ عنك اليوم يا أبا سعود، بعد أن واروك الثرى، أكتب عنك والحياء يغلبني، فقد تعوّدنا على ثقافة تحمل كثيرًا من الجرم والجفاء، ألا وهي ثقافة المدح والثناء بعد الرحيل، وبعد أن تُقبض الأرواح.. عرفتك يا أبا سعود وفيًّا، كلماتك فيها شوق وحب وولاء، ومسكونة بالعطاء لمن حولك، بل كنت تعطي عطاءً يتفق ومحبتك؛ لأنك إنسان قبل كل شيء، نعم يا أبا سعود الموت حق، ولكن فراق الأحبة صعب، فلم تحمل في قلبك ذرة من حقد، أو حسد، أو بغضاء لأحد.
قلت لي مرة، ونحن نتجاذب أطراف الحديث، بأنك لم تضع جنبك للنوم قط، وفي قلبك ضغينة على أحد.
رحمك الله، وأسكنك فسيح الجنان، كنا نغبطك على معاملتك الدافئة، وأخلاقك العذبة، وبشاشة وجهك، ونقاء سريرتك.
وإنني أتذكر كثيرًا من المواقف النبيلة التي كنت تسعى لها. فجميل أن تسمع بالرجال، وهو أمر محبذ، ولكن الأجمل والأروع أن تخالط الرجال، وتجلس معهم، وذلك شيء كبير، أنت فتحت مجلسك أكثر من 50 سنة مع والدك رحمه الله وإخوانك يحفظهم الله. أنت من الرجال الذين سعدنا بالجلوس والحديث معهم، ووالله عشنا وقتًا لم نسمع الإساءة، بل نسمع كلمات الحب والتسامح منك.
أجدني اليوم أمدحك بعد وفاتك يا أبي محمد، ونحن نعرف أنك تحمل فكرًا نيّرًا، وإبداعًا علميًّا سهلاً، ومخزونًا ثقافيًّا كنت ألمس اهتمامك وحرصك على أحبابك في كثير من المواقف، لأنك كنت تعرف بفطرتك النقية التي أكرمك الله بها أن الحب والعطاء صفة إنسانية، ماذا عساني أن أقول عنك أيُّها النبيل المسكون بحب كل من حولك، محمد بن سعود المثيني العتيبي.. رحمك المولى، وأسكنك فسيح الجنان، وعزاؤنا أنك في واحة مضيئة من ذاكرتنا.
رسالة:
أنا أعرف أنك لا تحب المدح، ولا ترغب في الثناء، ولكن دعني أقول إن الشهامة وسمات الواجب تسكن قلبك وروحك ونسيجك، نعم يا أبي محمد إن الأخلاق والمبادئ لا ترتبط بشيء ملموس، بل هي نعمة من العلي القدير يهبها لكل من يختارهم، وقد كنت شمعة مضيئة حبًّا وعشقًا لمن حولك، ونحن نعرف كل مواقفك النبيلة التي لمسناها في وجداننا وعروقنا، وهذا أمر غير مستغرب.
فرسالتك وما تحمله جنبات نفسك من قلب ينبض بالحنان.. لن تكفي الكلمات والعبارات عنك، ولكن تظل أنت بشهامتك ونبلك.