فضّل الله سبحانه الإنسان على سائر المخلوقات، حيث قال وقوله الحق: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء 70).
ونهى رسول الله الأمين عن ضرب الوجه وتقبيحه، أو كيّه بالنار للإنسان والحيوان، كما نهى عن تقبيح الناس بعضهم لبعض، ضمن الآداب الإسلامية، التي علّم بها الأمة، وما ذلك إلا أن للإنسان كرامة خصّه الله بها. تظهر في أمور كثيرة وكبيرة، مما ندركه أو لا ندركه، فنِعم الله على بني آدم كثيرة وفضله جلّ وعلا كبير.
ولو أردنا أن نسير في المقارنات، بين الإنسان وسائر المخلوقات لطال وتشعّب بنا الطريق، إلا أن في مقدّمة الفضائل لبني آدم، ما منحهم الله من عقول يدركون بها الخير من الشر، والنافع من الضارّ، والنطق الذي يعبّرون به عمّا حولهم، ويبلّغون بواسطته شرع الله الذي أمر الله عزَّ وجلَّ بتبليغه.
ونجد من كرامة الله لبني آدم تناسق أجسامهم، وتفاعل الأجهزة عملياً وبطريقة منظمة وبدقة متناهية، رغم صغرها، وخفاء بعضها حتى إنه لا يدركها إلا أصحاب الاختصاص.
وإذا نظر الإنسان إلى الجسم البشري من ظاهره يراه متناسقاً وبديعاً في تكامله ولا يختلف في تركيبه وتكوين أجزائه، من شخص لشخص، في أنحاء المعمورة، إذ لم نسمع عن عيون أناس، في أطراف الأرض في مؤخرة الرأس، أو أن عضواً أو جهازاً من الأجهزة يختلف في تكوينه وعمله من شخص لآخرين، بل خلق الله جلّ وعلا البشر في كل مكان بأبدع صورة، وأكمل تكوين، كما قال سبحانه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (سورة التين الآية 4).
وكلمة أحسن أفعل تفضيل تدل على الكمال والجمال في شكله، وصورته وتسوية أعضائه، في الجسم وتناسق أعضاء وشكلاً خارجياً، مع دقة في الصنّعة والإبداع.. وفي هذا:
- رد على دارون ونظريته في النشء والارتقاء، ونقض لها وهي التي قال فيها بأن أصل الإنسان قرد. فالصناعات الحديثة، إذا كانت تُخْرِجُ على نوع واحد يصنع في قوالب، فإنه مع ذلك يخرج منها أشياء غير مستقيمة ولا متناسقة، مع أن مصنعها واحد ويحصل في بعضها عيوب.
أما الإنسان فإنه من خلق الله وإبداع قدرته، فإنه يُخلق بشراً سوياً، متكاملاً منتظماً كما قال سبحانه: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} (سورة الملك 3).
فمهما دقَّق الإنسان النظر، وتفحَّص في أجزاء الجسم، فإنه يزداد ارتباطاً بخالقه، وموجده من العدم، وما في هذا الجسم من بديع الصنعة، وجمال المنظر، فالأعضاء في أي إنسان على وجه الأرض لا تداخل في عملها، بل تؤدي وظائفها في أي إنسان بهدوء، ولا يشذ عن هذا إلا أصحاب العلل والشذوذ والعاهات، حيث تسير أعضاء الإنسان في جميع جسمه، بدقة محكمة وبجهد مستمر، ومن تلك الأجهزة الكثيرة:
- الجهاز الهضمي، وعملية الهضم وعملية التوزيع. - الجهاز الدموي أو الدورة الدموية. - الجهاز التنفسي وتنقية الجسم. - الجهاز العصبي وترابط الجسم والإحساس. - الجهاز الهرموني والإفرازات النافعة للجسم. - جهاز العظام وقوة الجسم وهو الهيكل العظمي. - جهاز القوة البدنية والعضلات.
إلى غير هذا من الأجهزة المرتبطة بهذه الأجهزة الرئيسية.
وهذه الأجهزة التي أودعها الله في الجسم البشري، لها وظائف مهمة في تكوين الجسم ونموه وسلامته، ولا يتعارض بعضها مع بعض، أو يختلط عمل بعضها ببعض، لأنها من تكوين رب العالمين، وبديع خلقه، فهو الخلاَّق العليم، الرؤوف الرحيم، أحسن كل شيء خَلَقَهُ وبدأ خلق الإنسان من طين، فقد أودع سبحانه في كل جهاز من أجهزة أجسامنا سراً عجيباً، وعملاً محكماً، لاستخلاص دقائق المنافع من الغذاء الذي نتناوله، فيذهب منه بدقة متناهية، مما يفيد كل جزء في هذا الجسم مهما صَغُرَ للمحافظة على سلامته، ونموه وإمداده بما يبقيه قوياً عاملاً مفيداً لصاحبه، نافعاً في كل وقت بما يلائمه.
ومن حكمة الله جلّ وعلا، أن جعل هذه الأجهزة تعمل باستمرار وبانتظام، لأن خَلَل واحد منها لفترة زمنية، يعني اختلال التوازن في هذا الجسم مما يترتب عليه الضرر بما يتعلّق بهذا المختل ومن ثم مرض الجسم كله.
وقد اقتضت إرادة الله العزيز الحكيم أن يكون الجسم البشري بتراكيبه وتكامله وأجهزته وتناقسها وحدة متكاملة يكمّل بعضها بعضاً، فلا يستغني جهاز عن عمل ونتائج الجهاز الآخر، ولا يعمل جهاز بمعزل عن الجهاز الآخر.
وبالأهمية فإن دراسة كل جهاز، تنبئ عن دوره للجسم، وعِظم ما يقدّم من فوائد، فكأنه هو الجسم كله، لتأثير أي خلل يعيبه، على سلامة الجسم كله، ولا يستطيع أي دارس، بأن أي جهاز من أجهزة الجسم كله التي مرت بنا، يمكن الاستغناء عنه، ولو لفترة من الزمن، بل يحصل في الصناعات البشرية، التي يمكن تعطيلها كلها أو بعضها لفترة زمنية مهما كانت.
هذا الجسم البشري المتناسق المتكامل، وأجهزته المترابطة التي يكمل بعضها بعضاً، مع أهمية التدبر والتمعن في تكوين عملها، ودقة صنعها ومهارتها في العمل بما هو في تصور البشر، فإنما جاءت لحكمة وأوجدت لغاية {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (سورة النمل 88).
فالإنسان إذا لم يُعمل فكره، ويحوّل ما يصل إلى عقله، من عِبرة إلى عبادة، مع الله وارتباطه مع الخالق جلَّ وعلا، مع استشعار ذلك خشوعاً وخضوعاً لله، فإنه لم يؤد ما على هذا الجسم من واجب الشكر لله، والعرفان بفضله سبحانه: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} (سورة النحل 53).
والإنسان بهذه المعرفة يتجه للغاية التي خلق من أجلها، وليزداد إيماناً كما قال الشاعر: وفي كل شيء له آية، وهذا الإنسان قد أُعطي النعم الكثيرة، ومنها الصحة في البدن، وسلامته من الآفات، حتى ينشط في عباده ربه، ويتقوّى بما رزقه الله على أداء ما افترض الله عليه، وأن يدرك أن الجسم عليه واجب العرفان لله بأداء ما افترض الله عليه، وأن هذا الجسم عليه واجب الشكر لله كما قال سبحانه: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (سورة إبراهيم 7).
وبالشكر تدوم النعم، ويأتي معها العرفان لله، بأداء ما افتُرِضَ من عبادات لله، بنفس صافية، وقلب صادق، ونيّة مخلصة، كما أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حثه الأمة على العمل، وكما رغّب فيه القرآن الكريم بمواطن كثيرة، حيث تقترن العبادة بتذكّر النعم، التي تفضّل بها الله.
ومنها نعمة الصحة والعافية التي هي تاج على رؤوس الأصحاء، ومعها يتقوَّى الإنسان على طاعة الله، حيث بذكرها يزداد المرء شكراً وطاعة لله، وينشط البدن وتقوى الهمة مع مقارنة حالة النعمة بما يجب أداؤه من شكر الله على النعم الكثيرة، وأجلّها نعمة الإسلام الذي لا تعدله نعمة، كما قال تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} (سورة الحجرات 17)، فالله سبحانه هو الهادي والموفّق. والجزاء من جنس العمل.
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تبيّن فضل الله ونِعَمه على عباده ومنها قوله سبحانه في سورة الانفطار: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} (الآيات 6-8).
وهي دعوة للعبرة والعظة، والعبادة والشكر، وأداء ما نستطيعه شكراً لله، وامتثالاً لشرعه الذي ارتضاه لعباده المسلمين ديناً، وهذا من الطرق المؤدية إلى كسب رضاه سبحانه، وشمول رحمته، لأنه لن يدخل الجنة أحد بعمله، قيل يا رسول الله: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.
اللهم ارحمنا واعف عنا، ووفّقنا للعمل الذي يرضيك عنا يا رب العالمين.