قرارُ رفع الدعم الحكومي عن المحروقات هو السبب الرئيس لاندلاع الأزمة السودانية، لكن المتابع لما يحدث في الشارع السوداني يجد أن هذا القرار إنما بمنزلة سبب ظاهري فقط، إِذْ إن حالة الغضب الشعبي وتصعيد الاحتجاجات إنما هي تفسير بوجود احتقان لدى الشعب أراد الوقت المناسب للتنفيس، ولعلَّ ما يدعم ذلك أن السودان قد شهد انتفاضة في بداية حقبة الربيع العربي، لكنها لم تكتمل، إِذْ تمَّت السيطرة عليها بالقوة الأمنيَّة.
النظام الحاكم في السودان لم يقدم على طرح حلول أو مبادرة قد تعمل على حلِّ الأزمة الحالية أو تعمد إلى تخفيف وطأتها بقدر ما سعى إلى التأكيد على عدم التراجع عن قرار رفع الدعم الحكومي، بينما أعطى الضوء الأخضر في ذات الوقت للأجهزة الأمنيَّة لقمع الاحتجاجات. وهذا يفسر بأن النظام السوداني لا يزال غير مدرك أن هناك أزمة حقيقة على الأرض، إِذْ إن عدم الإدراك بوجود أزمة حقيقة وبحاجة إلى حلول جذرية أو مبادرة لإنهائها من الممكن أن يلعب دورًا أساسيًّا في سهولة إسقاط النظام السوداني في حال تزامن مع ذلك وجود تصعيد شعبي.
طبيعة النظام الحاكم في السودان لا يسعى إلى البحث عن حلول لمواجهة الأزمات ولعلَّ انفصال الجنوب عن الشمال خيرُ مثال على ذلك، إِذْ إن الانفصال لم يأت إلا بعد الوصول إلى طريق مسدود لم يتَضمَّن هذا الطريق أيّ حلول أو مبادرة، بالإضافة إلى ذلك الأزمة العالقة، التي من الممكن أن تتحوّل إلى كشمير أخرى وهي منطقة دارفور، بمعنى أن هذه الانتفاضة السودانية أمام طريقين: إما أن تفضي إلى إسقاط النظام، كما حصل في دول الربيع العربي، وإما أن يَتمَّ السيطرة عليها بالقوة الأمنيَّة؛ بمعنى أنها ستصبح مهيأة، لأن تندلع مرة أخرى في ظلِّ وجود شرارة قادمة.
من جهة ثانية نجد أن الانتفاضة السودانية جاءت لتستهدف معقلاً آخر من معاقل الإخوان المسلمين خصوصًا بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في الدَّوْلة المصريَّة، كما أن هذه الانتفاضة التي تحدث اليوم في السودان عمدت إلى تضييق الخناق على التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي عقد اجتماعه في تركيا قبيل بداية الأزمة السودانية لبحث تداعيات حلِّ جماعة الإخوان المسلمين في مصر ومصادرة ممتلكاتها، علاوة على ذلك ومع ترقب المظاهرات التي من المقرر حدوثها نهاية شهر سبتمبر في تونس نجد أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يعاني اليوم أسوأ مرحلة في تاريخه خصوصًا بعد الانفراج الذي حصل عليه مع بداية الربيع العربي وسقوط الأنظمة.