(1)
التقيت في إحدى المناسبات بعد انتهائي من المرحلة الجامعية بزميل لي من المتفوقين أثناء دراسة المرحلة المتوسطة،
وخلال اطمئناني عن أحواله علمت أنه لم ينته من دراسته الجامعية، فاندهشت لأنه من المتفوقين وكنا نسميه «فلان الدافور»، لكني علمت أن والده توفي بعد تخرجه من الثانوية. لكن حزنه عليه لم يكن سبب تدهور مستواه العلمي، بل لأنه اعتاد على أن والده كان يجبره على المذاكرة، ويغلق عليه باب غرفته ولا يخرجه منها حتى يحفظ جيداً ويسمّع له.. ولأنه اعتاد على ذلك أصبح يستصعب المذاكرة ولم تقو عزيمته الشخصية.. وكما يقول المثل: من شبَّ على شيء شاب عليه.
(2)
في الحقيقة لا نود أن يحصل لنا كأفراد في مجتمع كما حصل لزميلي الدافور المقيد، ولا أود أن يعاملنا المسؤولون في بلادنا كوالد زميلي مع ابنه، ومثال على ذلك عندما أرادوا أن يعلمونا النظام المروري وضعوا نظام ساهر. بصراحة نحن تؤسفنا وتحزننا تلك الحوادث والأرواح التي تزهق والزحام ومنظر السيارات عندما تقف أمام إشارات المرور بغير نظام.. وجاء ساهر ليتمم النظام، شيء جميل، ولكن الأجمل عندما تصدر من الشخص نفسه.. لأن ديننا يحتم علينا الالتزام بالنظام، لكن بالمقابل فإن مواطني الغرب هم من يطبقون ذلك، فنرى كيف أن أغلب شوارعهم لايوجد بها أرصفة تفصل بين الشارعين أو إشارات؛ ليعودوهم على أن يصدر النظام من أنفسهم، صحيح أن لديهم من يخالف الأنظمة ولكنه يعاقب بشدة، ومع الوقت يحترم النظام.
وإذا نظرنا لشوارعنا رأيناها مليئة بالأرصفة العالية والصبات والحواجز لتحسين حركة السير.. ولو هدمت في يوم وليلة لصدرت الفوضى والتخلف، والسبب أن الشعب لم يعتد على ذلك.
(3)
لنتخيل بعد اكتمال نظام ساهر واستمراره لمدة زمنية أن أجهزته تعطلت لأي سبب كان، ماذا سيفعل أغلب الأشخاص الذين تعودوا على النظام خوفاً من شيء ما، وفجأة ذهب هذا المرعب الرقيب؟.. طبيعي سيخالفون السير وتزداد الحوادث، ولن تستطيع فرق المرور وقف المخالفين، كذلك لو نظرنا لجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - الذي لا أعارضه، وعلى العكس لا أود أن يلغى - فهناك أشخاص كثيرون من ضعفاء النفوس الذين اعتادوا على أن يكونوا مقيدين.
(4)
لو أن والد زميلي -رحمه الله- جعله يعتمد على نفسه كان سيخفق مرة ويتعلم وينجح مرات، لا العكس.. ولو أنه أغلق الباب وأعطاه المفتاح لما كانت هذه حاله.. ولذلك أقول للمسؤولين: أغلقوا علينا الأبواب وأعطونا المفاتيح.. سنوا القوانين والأنظمة.. وشددوا العقوبات.. ولنتعلم من ديننا الكريم الذي أنزله الله تعالى، فقد بين أن من يتبع دينه ويتجنب المعاصي له جنات النعيم، ولو خالف ما أمر به فله عذاب عظيم. وعندما جاء رسولنا عليه السلام ليتمم مكارم الأخلاق قدم رسالته إلى الأمة يدعوها إلى اتباع طريق الرشاد. وأخيراً: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.
(5)
وهناك سلسلة طويلة من القيود لو تفككت ماذا سيحصل بنا؟ أو ماذا سيكون حالنا؟ حمانا الله.