كل الأرقام التي أمامي تقول أن لم نتدبر أمورنا منذ الآن ونتخذ قرارات جريئة وحاسمة فإن أزمة مائية خانقة ومخيفة وربما مفجعة ستواجهنا حتما في المستقبل القريب.
السبب أن هناك خللاً خطيراً في استخداماتنا للمياه، سينتهي بنا حتماً إلى كارثة مائية خطيرة لا أدري كيف سنحلها.
المياه في المملكة من مصدرين، المصدر الأول والأكبر المياه الجوفية، وجلها من مصادر غير متجددة أي إذا انتهت (قضينا). أما المصدر الثاني وهو قليل ولا يذكر مقارنة بالمياه الجوفية الناضبة وغير المتجددة، يأتي من محطات تحلية مياه البحر. الأرقام التي أمامي تقول: إن استخدام منتجي الألبان ومربي الماشية من المياه يُقدر بخمسة مليارات متر مكعب من المياه، والمضحك، وشر البلية ما يضحك، أن هذا الكم الرهيب من استهلاك (الغنم والبقر والبعارين) للمياه هو (ضعف) الاستهلاك المنزلي في المملكة من أقصاها إلى أقصاها، ولكي نتصور هذا (الإسراف) الذي هو محصلة الإمعان في عدم مواجهة هذه المعضلة الرهيبة بحسم، فإننا- يا سادة يا كرام - نستهلك من مياهنا الجوفية العميقة وغير المتجددة لتربية الماشية ما يعادل (ألف وايت) في الدقيقة الواحدة، أي أننا على (مدى دقيقتين) فقط نستهلك (سِرا وايتات) طوله يمتد من الرياض إلى الطائف، وسوف يمتد هذا (السرا) في خمس دقائق من الاستهلاك ليصل إلى نجران في أقصى الجنوب وربما أطول. وعندما تتذكر أن هذه المياه ناضبة وغير متجددة تدرك أننا نحث الخطى لنصل قريباً إلى أن هذه الخزانات الجوفية التي نستهلك مياهها بتبذير (غبي)، والتي تكونت على مدى (خمسة آلاف سنة)، ستنضب حتماً وتجف، وقد بدأت بالفعل مؤشرات هذا الجفاف تظهر وبوضوح كما تقول تقارير شركات استشارية متخصصة في هذه المجالات.
تقول إحصائيات وزارة الزراعة إن ثروتنا من الماشية هي: الأغنام 8 ملايين رأس، ومن الأبقار الحلوبة 480 ألف رأس ومن الجمال 220 ألف رأس، والأرقام على سبيل التقريب من إحصائية وزارة الزراعة. وللتقريب أكثر فإن كل بقرة حلوب واحدة تستهلك من المياه خلال عمرها الإنتاجي ما يعادل حمولة 1500 وايت من المياه. وتقول الأرقام إننا استهلكنا خلال الثلاثين سنة الماضية على الزراعة ما يعادل 500 مليار متر مكعب، وهو ما يعادل إنتاج محطات التحلية مجتمعة في المملكة، هذا إذا عملت بكامل طاقتها لمدة (خمسمائة سنة) دون توقف؛ تصوروا؟!
مما تقدم ندرك أن أس المعضلة أننا نصر على أن نكون دولة منتجة للألبان واللحوم والمنتجات الزراعية رغم أنف الظروف المناخية، والطبيعة، وعلم الاقتصاد أيضاً. وحلها يكمن أولاً أن نعترف أننا لا يمكن ولأسباب موضوعية أن نكون دولة زراعية أو منتجة للحوم والألبان مهما كانت طموحاتنا.
ومما يزيد الطين بلة أن الفرد السعودي يستهلك من المياه ما يعادل 330 متراً مكعباً من المياه لكافة أغراضه سنوياً، وهذا المعدل يعتبر من أعلى المعدلات في العالم، بمعنى آخر أن عاداتنا (المائية) تتماهى من يقيم على نهر جار، وليس في صحراء يلفها الظمأ وشح الأمطار من كل جانب.
طيب وش الحل؟ .. ليس ثمة حل جذري وإنما (الحلحلة) والحصار والمواجهة أولاً، والتدرج في الحلول. فمشكلة تجذرت على مدى ثلاثة عقود من السياسات الزراعية الخاطئة، لا يمكن أن تحل إلا على المدى المتوسط وربما البعيد، وليس على المدى القصير، والعلاج يبدأ من (الاعتراف) بالمشكلة، وبتصور خطورتها، وأن (تُقلق) قادتنا، لأنها تتعلق بمستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة، وأن (مجاملة) البعض أياً كان هذا البعض، في حلها سيجعل بلادنا حتماً بلاداً لا تصلح لعيش الإنسان على مدى عقد أو عقدين.
أما من يرفعون خرافة (الأمن الغذائي) لتمرير هذا الإسراف في المياه، والذي هو ضربٌ من ضروب الانتحار الجماعي البطيء، فلهم أقول: أيهما أهم الأمن المائي أم الأمن الغذائي؟. فالإنسان يستطيع أن يُضرب عن الطعام ويعيش ربما لثلاثة أسابيع أو أكثر، ولكن هل يستطيع أن يضرب عن الماء لمدة يومين ويعيش؟
إلى اللقاء.