في يوم الجمعة الماضي أوردت ما كان من حديث لهذا الحاج الفرنسي عن نفسه وأولاده أولاً، ثمَّ عن المسلمين في فرنسا، وأشرت في نهاية المقال إلى أنني خلصت من حديثه الطويل المختلط بالدموع والتضجر والآهات بنقاط عدة أهمها في نظري:
* أن الأقليات المسلمة في بلاد المهجر تنظر للمملكة العربيَّة السعوديَّة بأنها حامية التوحيد وموطن الإسلام وحصن اللغة العربيَّة الحصين ومهوى أفئدة المسلمين أينما كانوا وأرض الخير والعطاء والنماء، وأهلها هم أخير الناس في هذا الزمن، وجلّ المسلمين في بلاد الغربة ينظرون إليهم نظرة إعزاز وإكبار واحترام، ولذا فلهذه البلاد عندهم خصوصية حباها الله إيَّاها ويجب في نظره أن نحمد الله عليها ونحافظ على هذه النعمة التي لا نشعر بها ولا نحس.
* إن هناك نوعًا من الصراع والصدامية بين بعض المسلمين المغتربين وذلك من أجل السيطرة الفعلية على المساجد والمراكز الإسلاميَّة على قلتها في فرنسا كمثال، ليس من أجل إيصال الخير للغير- كما يقول - وإنما بغية توظيفها توظيفًا سياسيًّا من قبل فرقة عقدية أو جماعة حركية أو طائفة عرقية أو.... ولذلك تجدهم يبالغون فيما تحقق من أنشطة ويحاولون إدخال الناس الإسلام عنوة دون أن يأخذوا بأيديهم إلى المفهوم الحقيقي للإسلام ويرشدونهم ويعلمونهم ماذا يعني انتماءهم لهذا الدين، ولذلك صرنا نسمع عن انتشار الإسلام في أوروبا وكثرة الداخلين فيه وهذا فيه شيء من التضليل الذي يجب أن ينتبه له.
* إن الجيل الثاني فضلاً عن الثالث والرابع من أبناء المسلمين المهاجرين إلى الغرب لا يعرفون عن دينهم شيئًا، وهم أشد ما يكونون حاجة إلى التوعية بلغتهم الجديدة أقصد الفرنسية أو الإنجليزية وبأسلوب مبسط وميسر وسهل سواء عبر القنوات الإعلاميَّة أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وهم بصدق أشد انتماء إلى مهجرهم منه إلى بلدهم الأصلي ودينهم الإسلامي ولغتهم العربيَّة التي لا يتحدَّثون بها أبدًا سواء في المدرسة أو الشارع أو حتَّى البيت مع الوالدين اللذين هما في الأساس من أصل عربي.
* إن هناك دعاة يأتون إلينا من السعوديَّة والخليج وهم لا يعرفون طبيعة حياتنا وصعوبة معاشنا فيطالبوننا بما هو محال في تلك الديار، ولو حاولنا مُجرَّد محاولة لخسرنا أعمالنا التي نحصل منها على رزقنا، بل خسرنا وجودنا في بلد الاغتراب، ولذلك لا بُدَّ من الاهتمام الحقيقي بفقه الأقليات.
* إن الأحداث التي تصير في بلاد العرب تنعكس وبشكل قوي على حياتنا سلبًا أو إيجابًا، ولذلك كل خطأ يرتكبه المسلمون العرب خاصة يُؤدِّي إلى مضايقتنا في رزقنا واستقرارنا هناك، وعلى هذا الأساس فالتطرف والعمليات الإرهابيَّة التي تنسب إلى أهل هذا الدين كسرت ظهر بعضنا، وجنت علينا كثيرًا مع أنها ليست من الإسلام في شيء إلا أن من قام بها كما يقال ينتمون إلى الإسلام.. نعم هناك قوى معادية وأحزاب مضللة تعمل على تشويه الإسلام بشكل كبير وربطه بمصطلح الإرهاب وهم وللأسف الشديد يجدون من الأقوال والأفعال التي يقترفها من ينتسبون إلى الإسلام فيوظفونها لضربنا في الصميم ولتكريه أبنائنا بهذا الدين.
أما عني فقد أخذت من مجمل هذا اللقاء العارض مع رجل نكرة لا أعرفه من قبل وجزمًا لم ولن يعرفني قبل وبعد؛ أخذت أن هناك قرارات يتخذها الإنسان في فترة فتوته وشبابه وقد لا يحسب لها حسبها المستقبلي ربَّما دفع ثمنها حين يعتريه الضعف والهون والشيب، وهؤلاء كثر في بلاد الغرب وللأسف الشديد، رحلوا من أجل لقمة العيش ولما كبر أولادهم خاصة البنات شعروا بعجزهم عن ضبط سلوك أولادهم ومراقبة تصرفاتهم فصاروا يتحسرون على ما صار منهم حين قرروا الهجرة.
العجيب أن هذا الرجل الذي كان يتحدث عن هذه الإشكالية المعقدة في فرنسا بل في بلاد الغرب عموما مُجرَّد “عامل في بنشر” تَمَّ إنهاء خدماته قبل سنوات معدودة نتيجة ضعف العائد المادي للمحل ولبلوغه سن الستين وهو الآن بلا عمل “رجل عامي في قاموسنا الشعبي”، وكثيرًا ما اعتذر في وسط حديثه بأنّه لا يستطيع أن يوصل فكرته باللغة العربيَّة فكيف لو كان من زمرة المثقفين ويجيد التعبير بالعربيَّة!!، دمتم بخير وإلى لقاء والسَّلام.