ضعف ثقافة الوقف في المجتمع السعودي هي مشكلة حقيقية، ولذا هو بحاجة لمبادرات جدية، ودراسات ميدانية، ومؤتمرات لوضع آليات تنقله من الظلمات إلى النور.
فثقافة المجتمع في الوقف مقتصرة على الجهات التقليدية - على الرغم من أهميتها - التي لاننكرها غير أن هناك إغفالاً تاماً للمشاريع الحضارية التي تواكب متطلبات العصر، فنحن بحاجة ماسة لدعم المشاريع ذات الطابع التنموي والثقافي للمجتمع.
إننا بحاجة للتفكير في هذه الثروة الوقفية، وعدم القبول بهذا المستوى المتدني من الثقافة في إدارة الوقف، والتحرك لفتح آفاق
جديدة تتناسب مع المرحلة الزمنية التي نعيشها، لا أن تكون مؤسسات الوقف في عالم والواقع في عالم آخر، وعلى العلماء والمثقفين دور مهم في حث رجال الأعمال بالقيام بمبادرات تحقق رؤية معاصرة للوقف.
إن غياب الإدارة المؤسسية لهذه الثروات والإمكانات التي تدير شؤون دخله بشكل شفاف وحضاري، والنظرة التقليدية لصرفه جعل هذه الثروات مبعثرة دون أن يستفيد منها المجتمع، أو يعزز مسيرته الحالية والمستقبلية، فمع وجود الجمعيات الخيرية في المجتمع، والمحاكم التي تدير شؤون الأوقاف إلا أنها لم ترق إلى مستوى الطموح المنشود، ولم تحد من ظواهر الفقر والتسول والبطالة التي يعاني منها المجتمع.
وأُرجعُ السبب الرئيس للمشكلة ؛ لعدم وجود الثقافة الصحيحة في مجتمعنا للوقف، وكذلك غياب المؤسسة الإدارية الوقفية التي لابد أن يكون لها دور في مساعدة الواقف مساعدة متكاملة في توظيف وقفه بما يخدم المجتمع، ويكون أعظم للأجر عند الله - تعالى - ؛ ذكر ابن تيمية : أنه ينبغي لمن أراد أن يوقف أن ينظر إلى ماهو أقرب إلى رضا الله ومحبته وأنفع لعباده، وأن يتحرى ما نتائجه أكثر، وعوائده أعم وأنفع، فلا يعقل أن توجه المبالغ الطائلة في زخرفة المساجد، ونتناسى الأمور المهمة المتعلقة بالإنسان من مرضى السرطان، والفشل الكلوي، والمعاقين، وطلبة العلم من أبنائنا الذين يحتاجون أموالاً للتعليم والتدريب في داخل المملكة وخارجها.
كذلك يجب علينا أن نُفعل ونستثمر هذه الأموال بشكلٍ يرفع من مستوى وعي المحتاجين والفقراء بتشجيع على الالتحاق بالمعاهد التعليمية والفنية، وتحولهم إلى عناصر معطاءة تسهم في رفع مستوى المعيشة، وتحسين أوضاعهم ومجتمعهم.
إن أنواعاً كثيرة من الإنفاق لأوجه الخير هي في أمسَّ الحاجة لأن تكون ضمن أُطر استثمارية تسهم بشكل كبير في رفع المستوى المعيشي والتعليمي والثقافي والاقتصادي في المجتمع، فالوقف الإسلامي من أسمى الأنظمة الاقتصادية التي ساهمت ببناء المجتمعات الإسلامية على مر العصور.
وكان الوقف من أهم وسائل التقدم العلمي والفكري والثقافي للبلاد الإسلامية، حيث أسهم في بناء صروح العلم، ونشرها عن طريق المساجد والكتاتيب والمدارس والمعاهد، وتخرج من هذه المؤسسات العلمية الموقوفة عددٌ من العلماء في شتى فروع المعرفة البشرية مثل : الخوارزمي، وجابر ابن حيان، وابن سينا، والرازي، وابن الهيثم، ولم يصل هؤلاء إلى ماوصلوا إليه لولا الدعم المادي الذي توفر لهم من قبل الأوقاف.
كما أن الوقف اهتم برعاية طلاب العلم ومعلميهم، وسهل هجرتهم إلى مراكز الحضارة لطلب العلم، حيث أُوقفَ عليهم دوراً ومدارس بيوتاً، ومخصصات مالية، وطعاماً، وكساء، وأدوات كتابية، وكتب ليتمكنوا من التحصيل العلمي.
ولم يقف أثر الوقف في التعليم عند علمٍ بحد ذاته، وإنما شمل كل موضوعات المعرفة البشرية تستوي في ذلك العلوم الشرعية والعلوم البحثية والتطبيقية والاجتماعية، خاصة الطب، والصيدلة، والفلك، ولقد ساهم الوقف بشكل ملحوظ في نشر العلم تعلماً وتعليماً وبحثاً، وكان وراء الإنجازات العلمية والحضارية عن طريق مرافق التعليم : ( المساجد - المدارس - المكتبات - الجامعات ) المختلفة.
ويزخر العالم الإسلامي بعدد كبير من المدارس الوقفية مثل : المدرسة النظامية، والمدرسة المستنصرية، ومدرسة ابن الجوزي، والمدرسة السليمانية بمصر، ودار السلسلة، ومدرسة الملك المنصور عمر، ومدرسة الملك الأفضل، ومدرسة الملك المجاهد بمكة المكرمة. وفي حلب وحدها أكثر من مئتي مدرسة شرعية.
ولايقتصر دور الوقف عند إنشاء المدارس، بل اهتم بإنشاء المكتبات، وتزويدها بأمهات الكتب، ومن أشهر المكتبات الإسلامية الموقوفة، مكتبة الموصل، ومكتبة بغداد بالعراق، والمكتبات الوقفية في سورية كثيرة جداً كالمكتبة الظاهرية والأحمدية، ودار الحكمة بمصر.
ومن هذا المنطلق ؛ فإن المسؤولية كبيرة جداً على إدارات الأوقاف الحكومية والأهلية في تفعيل الأوقاف، وإداراتها على حسب أولويات واحتياجات المجتمع.
alomari1420@yahoo.com