تبعاً لمقال الأسبوع الماضي الذي ناشدت فيه إلى الإسراع لتكوين اتحاد عربي اقتصادي يُوحّد العرب اقتصادياً، ويساعد الدول العربية على النمو اقتصادياً والتكامل فيما بينها والمنافسة الدولية من خلال استغلال الموارد البشرية والطبيعية والمالية المتوفرة لدى الكثير من الدول العربية، أود هذا الأسبوع التحدث عن أهمية التحالفات الاقتصادية في الارتقاء باقتصاديات الدول الأعضاء وحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية، والدور الاقتصادي المهم الذي يجب أن تلعبه جامعة الدول العربية لتحقيق هذه الأهداف لدى أعضائها.
لقد استغل الغرب والشرق مفهوم التحالفات والتكتلات الاقتصادية بين دوله بشكل فعَّال ساعد الكثير من الدول ليس فقط على الخروج من أزماتها الاقتصادية والتحصن ضد خطر الكساد الاقتصادي العالمي كما حدث عام 2008م، ولكن لتطوير اقتصادياتها وحل الكثير من مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية.. وأفضل مثال على ذلك أنه لولا وجود الاتحاد الأوروبي وتحالفاته السياسية والاقتصادية لأعلنت الكثير من الدول الأوروبية مثل إيطاليا واليونان وإسبانيا والبرتغال إفلاسها بعد أزمة 2008م وتبعاتها.
مع الأسف الشديد عندما ننظر إلى خريطة الاتفاقيات الاقتصادية وتحالفات التجارة الحرة العالمية فإننا نجد غياباً تاماً للدول العربية وكأن الأمر لا يعنيها.. فعندما نلتفت يميناً ويساراً نجد من حولنا الكثير من التحالفات الاقتصادية الناجحة مثل الاتحاد الأوروبي، والتحالف الاقتصادي لدول جنوب آسيا ودول المحيط الهادي (إيسيان)، والتحالف الاقتصادي لدول أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك) وتحالف الدول المطلة على المحيط الأطلسي وتحالف أمريكا اللاتينية (ميركوسور: الأرجنتين, والبرازيل, والأورغواي, والبارغواي) وتحالف الدول اللاتينية المطلة على المحيط الهادي تشيلي وكولومبيا والمكسيك وبيرو... إلخ.
فالدول العربية إما غائبة تماماً أو مُغيَّبة عن هذه الخريطة باستثاء تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربي المحدودة جغرافياً والتي لم تكتمل بعد اقتصادياً وصناعياً.. فنجد مثلاً دول الخليج العربي لم تنجح خلال أكثر من 25 سنة في تطوير إستراتيجية اقتصادية وصناعية تكاملية مشتركة وتجارة حرة بين أعضائها الستة؟.. والأمرّ من ذلك لم تنجح المحاولات المشكورة من تفعيل العملة النقدية والتعرفة الجمركية الموحدة بين دول المجلس.. وللإنصاف هنا أعتقد أن الجانب السياسي يتقدم بكثيرٍ من الخطوات على الجانب الاقتصادي بالرغم من تأثيره على الجانب الاقتصادي وصعوبة الفصل بينهما.
أنا لا أريد أن أكون سلبياً وانتقادياً هنا ولكن الحقيقة مرّة ويجب علينا أولاً الاعتراف بها ومن ثم إيجاد حلول عملية لها.. لماذا دائماً الهاجس السياسي لدى الدول العربية يكون طاغياً ومؤثراً سلباً على الهاجس الاقتصادي (عكس دول الغرب)؟ وما هو الدور الفعلي لجامعة الدول العربية إذا كان بعد أكثر من نصف قرن من تأسيسها لا يمتلك العرب إستراتيجية اقتصادية وصناعية وثقافية وبيئية واجتماعية وعلمية، بل وحتى سياسية موحدة؟
كذلك في ضوء أحداث الربيع العربي والأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتدنية جداً في بعض الدول الأعضاء في الجامعة العربية، هل حان وقت التفكير في إعادة هيكلة الجامعة وأهدافها وطريقة عملها؟.. إذا كان مناقشة دور الجامعة الأمني والسياسي خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه، دعونا على الأقل نركز ونناقش الجانب الاقتصادي (بالرغم من صعوبة فصل الاقتصاد عن السياسة).
لماذا الاتحاد الأوروبي ينجح في تطوير إستراتيجية اقتصادية موحدة لأعضائه أدت إلى انتشال بعض أعضائه اقتصادياً وحمايتهم من الإفلاس، وجامعة الدول العربية تفشل؟ لماذا ننظر لبعضنا نظرة سياسية تنافسية بدلاً من نظرة اقتصادية تكاملية بالرغم من أننا نؤمن بأن مصيرنا ومستقبلنا واحد؟ الحقيقة أن هناك مئات الأسئلة التي تدور في عقلي وعقل كل عربي غيور مع الأسف لا تجد لها أجوبة مقنعة.. وسؤالي الأخير: ماذا يقدم العرب للبشرية في القرن الواحد والعشرين، وبماذا سوف يُذكّرنا التاريخ؟.. أجوبة هذه الأسئلة المرّة كالعلقم تُحتم علينا القول: لقد حان الوقت لإعادة هيكلة وتطوير عمل الجامعة حسب المعطيات السياسية والاقتصادية الحالية والتقدم العلمي لعمل المنظمات والتحالفات لكي نكون نحن العرب ضمن دول المقدمة بدلاً من دول المؤخرة.
وأنا هنا أنادي للمرة الثانية معالي الأمين العام للجامعة العربية أن يرى الحقيقة المرّة لواقع الجامعة العربية وأثر ذلك السلبي على نمو اقتصاديات أعضائها ومستقبل شعوبها.
www.saudienergy.netTwitter: @neaimsa