كتاب (قلي لي من أنا.. أقل لك من أنت) كتاب يضم بين دفتيه مقالات سياسية واقتصادية وثقافية عصرية متنوعة ساخرة طريفة ظريفة تجتمع متحدثة عن سوسيولوجيا الثقافة وعلم اجتماع الثقافة وهو ثري بالمعلومات السلسلة البسيطة السهلة والتي يهدف من خلالها الدكتور زياد الدريس إلى التوعية والتبصير وهي تنم عن سعة الاطلاع، وعمق الأفق، وقد جاء هذا كله بعناوين ذكية فيها تراقص وتمكن من لغة الكلمات، وقد جاء في خمسة فصول وهي التالية:
الفصل الأول: لماذا؟ والفصل الثاني: كيف؟ والفصل الثالث كم؟ والفصل الرابع: أين؟ والفصل الخامس: متى؟.
وهذه الفصول لطيفة مترابطة تعبر عن مضمون عنوان الكتاب المشوق (قل لي من أنا.. أقل لك من أنت) والمؤلف بهذا العنوان يثير الكثير الكثير من الأسئلة ويبدأ هذا التساؤل من قبل المتلقي، بتلك العبارة المرسومة على غلاف الكتاب وهي الموسومة بقوله: (كلام في سوسيولوجيا الثقافة) وهذه العبارة الذكية تعبر عن تخصص علمي حديث النشأة فهو يدرس الظواهر والخصائص الاجتماعية من منظور ثقافي أي أنه يبحث في العلاقة بين البني الفوقية الثقافية والبني التحتية الاجتماعية من منطلق التبادل بين التأثير والتأثر، حيث إن هذه المقالات المتنوعة المشارب من سياسية واقتصادية وذاتية قد تتداخل في مقالة واحدة في بعض الأحيان، ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر: كيف ترتب حملة انتخابية للتنحي عن المنصب؟ و(الخطاب الثوري) و(الخطاب البقري) وثقافة البيان رقم 1، عالم (صنع في الصين إنهم يعبثون بالأرقام، (بربسة) باريس، حفل عزاء فاخر، جمهورية القرار، شيخخة الشباب وغيرها الكثير الكثير، يقول المؤلف في استهلالة الكتاب الميمونة ما فحواه: (هذا الكتاب هو مجموعة مقالات تتماس، بشكل مبسط، مع سوسيولوجيا الثقافة كأداة لقراءة الظواهر الاجتماعية، قد يراه المختصون والأكاديميون تبسيطاً فائضاً، لكن ربما رآه آخرون من غير المختصين الحد الأدنى للتقطاع مع مفاهيم ودلالات هذه الأداة العلمية).
هذا وقد طعم المؤلف الدكتور زياد الدريس كتابه برؤية نقدية فاحصة، حيث جعل العربي تحت المجهر يقول تحت عنوان المقالة التالية: (خطاب ثوري في حظيرة الكاوبوي) ما فحواه: (تاه الإنسان العربي بين التثوير والتخدير) التبقير فقد عاش العالم العربي في الخمسينات والستينات والسبعينات تحت (عويل) الخطاب الثوري، فلم يجن شيئاً طوال ثلاثين سنة من شعارات الكفاح والنضال والتصدي، لكنه أيضاً جرب العيش تحت (هديك الخطاب البقري) ثلاثين سنة مماثلة في الثمانينات والتسعينات ومطلع الألفية الجديدة.
ولم يجن من معاهدات السلام والعقلانية والبراغماتية وكيمياء التفاوض والجلوس على طاولات المحادثات سوى المزيد من الخسائر والتنازلات والضعف والهوان) إلى أن يقول شيئاً هاماً عن هذا الخطاب الثوري وما الذي يحسب له في كلمات متقابلة جميلة. قالها تحت عنوان المقالة السالفة ونصها التالي: (على الأقل يحسب للخطاب الثوري، ما كان يحسب عليه، من استحلاب العواطف، إذ مع الزمن وجد الإنسان العربي أن استحلاب واستجلاب العواطف خير من تجميدها بانتظار العقل الذي يأتي ولا يأتي)، هذا ويهدف الكتاب إلى طرح إشكالية الثقافة ويستعرض سوسيولوجيتها بالنظر والتحليل والتأمل مشيراً إلى علاقتها بالعولمة ومدى تأثرها بها حيث يقول: (إذا أخفق العالم في مسعاه المتحيز لنصرة ودعم الهويات الصغرى أمام مطاردة هوية العولمة الكبرى (الكوبرا) فلن أجعل سؤالي لك هو: (قل لي من أنت.. أقل لك من أنت، بل قل لي من أنا.. أقل لك من أنت).
وأخيراً: يعد هذا التخصص الجديد (سوسيولجيا الثقافة) حديثا في مضمونه فهو يهدف إلى دراسة ظاهرة الثقافة ومدى التفاعل بين عناصرها وفصولها.
قراءة حنان بنت عبدالعزيز آل سيف (بنت الأعشى)
hanan- al saif@hotmail.com